علماء يثبتون صحة نظرية ستيفن هوكينغ حول الثقوب السوداء
استخدم الباحثون الموجات الصادرة عن اندماج ثقبين أسودين لإثبات نظرية هوكينغ (ناسا)
أثبت باحثون -في دراسة علمية جديدة- صحة واحدة من أشهر نظريات ستيفن هوكينغ، وذلك باستخدام موجات الجاذبية الناتجة عن اندماج اثنين من الثقوب السوداء البعيدة. لكن هذا الإثبات لا يعد خبرا جيدا بالنسبة للعلماء الذين يسعون لحل عدم توافق نظرية النسبية والنظرية الكمومية.
وتنص نظرية مساحة الثقب الأسود، التي اشتقها هوكينغ عام 1971 من نظرية النسبية العامة لآينشتاين، على أنه من المستحيل أن تتناقص مساحة سطح الثقب الأسود بمرور الوقت.
تثير هذه القاعدة اهتمام علماء الفيزياء لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي ينص على أن الاضطراب، أو الإنتروبيا entropy، في نظام مغلق، يجب أن يزداد دائما.
اشتق هوكينغ نظريته عن الثقوب السوداء عام 1971 من النسبية العامة (فليكرز)
ما هي الإنتروبيا؟
لكي نفهم هذا القانون بشكل مبسط، نفترض أن لدينا وعاءين مغلقين يحتوي كل منهما على غاز معين -الأكسيجين والهيدروجين على سبيل المثال- في نفس الحرارة والضغط.
فإذا جعلنا بين الوعاءين منفذا لمرور الغازين بينهما فسنجد نهاية المطاف أن تركيبة الغاز في كليهما متطابقة ومستقرة، ولا يمكن العودة تلقائيا إلى الحالة الأولية عندما كان الأكسيجين والهيدروجين منفصلين عن بعضهما. لذلك يقول العلماء إن الاضطراب داخل نظام فيزيائي لا يمكن إلا أن يزيد.
وهذا المبدأ ينطبق أيضا على الثقوب السوداء التي تلتهم الأجرام التي حولها. وبما أن إنتروبيا الثقب الأسود متناسبة طرديا مع مساحة سطحه، يرى هوكينغ أن هذه المساحة لا يمكن إلا أن تزيد مع الوقت.
لكن الأمر يبدو أكثر تعقيدا بالنسبة للثقوب السوداء، فإذا التهم هذا الوحش الكوني جرما ماديا فإنه يكتسب كتلة أكبر، مما يزيد من مساحة سطحه. لكن، وفي نفس الوقت، يمكن لكتلة هذا الجسم أن تجعل الثقب الأسود يدور بسرعة أكبر، مما يقلل من مساحة السطح.
إذن، في المحصلة، هل ستزيد مساحة الثقب أم ستتقلص؟ نظريا -وحسب قانون هوكينغ- فإن الزيادة في مساحة السطح بسبب الكتلة الإضافية ستفوق دائما الانخفاض في مساحة السطح بسبب الدوران الإضافي. لكن هذا يحتاج إلى إثبات في الواقع.
الاختبار
في الدراسة الجديدة المنشورة بدورية "فيزيكال رفيو لترز" (Physical Review Letters) سعى باحثون من جامعة "ستوني بروك" (Stony Brook University) ومعهد "فلاتيرون" (Flatiron Institute) في نيويورك إلى اختبار صحة قانون مساحة سطح الثقوب السوداء الذي وضعه هوكينغ.
لهذا الغرض، استخدم الباحثون، بحسب تقرير موقع "لايف ساينس" (LiveScience) العلمي، تموجات في الزمكان يحركها ثقبان أسودان في طور الاندماج لتشكيل ثقب أسود أكبر. وحددوا مساحة سطح الثقب الأسود من خلال أفق الحدث، وهو الحد الذي يستحيل عنده لأي جسم مادي الإفلات من الثقب.
وفقا لنظرية هوكينغ، يجب أن تكون مساحة أفق الحدث للثقب الأسود المتكون حديثا بحجم مناطق أفق الحدث للثقبين الأسودين الأصليين مجتمعين على الأقل.
وقام الفريق بتحليل البيانات من أولى موجات الجاذبية تم رصدها على الإطلاق، والتي تم اكتشافها عام 2015 بواسطة مرصد مقياس التداخل بالليزر المتقدم لموجات الجاذبية، "ليغو" (LIGO).
وقسم الباحثون بيانات موجات الجاذبية إلى فترتين زمنيتين، فترة ما قبل الدمج وما بعده، وحساب مساحات سطح الثقوب السوداء كل فترة. ووجدوا أن مساحة سطح الثقب الأسود المشكل حديثا أكبر من مساحتي الثقبين الأسودين الأوليين مجتمعتين، وهو ما يدعم نظرية هوكينغ.
بحسب هوكينغ فإن مساحة سطح الثقب الأسود لا يمكن إلا أن تزيد مع الوقت (المرصد الأوروبي الجنوبي)
إثبات غير مرغوب فيه
حتى الآن، تصف النسبية العامة الثقوب السوداء جيدا. لكن العلماء لا يفهمون تماما ما يحدث عندما تلتقي النسبية العامة -التي تنطبق عادة على الأجسام الكبيرة مثل الثقوب السوداء- بميكانيكا الكم التي تنطبق على الأجسام الصغيرة مثل الذرات والجسيمات دون الذرية. وفي هذا العالم الكمي، يمكن أن تحدث أشياء غريبة.فعلى سبيل المثال، يمكن للثقوب السوداء إطلاق "ضباب" خافت من الجسيمات يسمى إشعاع هوكينغ، وهي فكرة أخرى طورها العالم البريطاني في السبعينيات.
وقد يسمح هذا التأثير للثقوب السوداء بالانكماش، منتهكا قانون المساحة، ولكن فقط على مدى فترات طويلة جدا من الزمن، لذلك لن يؤثر على الاندماج السريع نسبيا للثقوب السوداء التي رصدها مرصد "ليغو".
ويبحث الفيزيائيون عن نظرية واحدة جديدة ومحسّنة للجاذبية الكمومية. ومن شأن أي فشل للنسبية العامة أن يوجه العلماء في الاتجاه الصحيح لإيجاد تلك النظرية الجديدة.