العلماء يرسمون لأول مرة خريطة ثلاثية الأبعاد تحدد شكل الغلاف الشمسي
رغم أن الخريطة التي تم إنشاؤها لا تزال تقريبية بعض الشيء، فإنها تكشف بالفعل عن أشياء مثيرة للاهتمام حول الغلاف الشمسي.
حافة الغلاف الشمسي معروفة لدى العلماء لكن شكلها مجهول (مختبر لوس ألاموس-ناسا)
تمكّن علماء الفلك لأول مرة من تحديد شكل الغلاف الشمسي، ورسم خريطة ثلاثية الأبعاد للحد الذي يمثل نهاية تأثير الرياح الشمسية لنجمنا في الفضاء.
وسيساعد هذا الاكتشاف الذي نشرت نتائجه مؤخرا في دورية "ذا إستروفيزيكال جورنال" (The Astrophysical Journal)، في فهم بيئة النظام الشمسي بشكل أفضل، وكيفية تفاعله مع الفضاء بين النجوم.
المسباران فوياجر 1 و2 عبرا حافة الغلاف الشمسي عام 2012 (ناسا)
حافة مجهولة
يقول عالم الفلك دان رايزنفيلد من مختبر لوس ألاموس الوطني (Los Alamos National Laboratory) في البيان الصحفي للمختبر إن "النماذج الفيزيائية وضعت نظرية لهذه الحدود منذ سنوات". ويضيف المؤلف الرئيسي للدراسة في تصريح أورده بيان نشر على موقع المختبر، "لكن هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها بالفعل من قياسها وعمل خريطة ثلاثية الأبعاد لها".
نظريا لا تعتبر حافة الغلاف الشمسي شيئا مجهولا بالنسبة للعلماء، إذ أدركوا وجودها فعليا عند عبور المسبارين "فوياجر 1″ (Voyager 1) و"فوياجر 2" هذه الحافة في طريقهما نحو الفضاء الخارجي للمجموعة الشمسية.
تمثل حافة الغلاف الشمسي مكانا مثيرا للاهتمام بالنسبة للعلماء، فعندها تفقد الرياح الشمسية سرعتها. هذه الرياح يطلقها نجمنا في شكل تيارات من الجسيمات المشحونة في كل الاتجاهات بسرعة تفوق سرعة الصوت.
لكن مع توغلها في الفضاء تفقد قوتها تدريجيا بحيث لا تصبح كافية لدفع ضغط تيارات الجسيمات المشحونة القادمة من الفضاء بين النجوم. وفي حافة الغلاف الشمسي تتوقف الرياح الشمسية تماما. فالفضاء بين النجوم يحتوي على كثافة منخفضة من الذرات، لكن تسوده رياح كونية تهب بين النجوم تكفي لصد تقدم الرياح الشمسية.
الخفاش يلهم العلماء
ورغم إجماع العلماء على وجود هذا الحد، فإن شكله ظل موضع نقاش واختلاف بينهم، بحسب موقع "ساينس ألرت" (ScienceAlert) العلمي.
يدرك العلماء أنه لا يمكنهم إجراء مسح دقيق لحافة الغلاف الشمسي بسبب المسافة الهائلة التي تفصلنا عنه. فمسبارا فوياجرز 1 و2 كانا على مسافة 121 و119 وحدة فلكية (الوحدة الفلكية تساوي 150 مليون كيلومتر) من الشمس على التوالي عندما وصلا إلى هذه الحافة، واستغرقا عقودا للوصول إلى هناك. وهي مسافة تبلغ حوالي 4 مرات المسافة الفاصلة بين الشمس ونبتون أبعد الكواكب عنها.
لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن إلقاء نظرة من بعيد لتحديد شكل هذه الحافة. فقد استخدم رايزنفيلد وفريقه بيانات من القمر الصناعي "آيبكس" (Interstellar Boundary Explorer IBEX التابع لناسا، وهو مرصد يقيس الجسيمات القادمة من حافة الغلاف الشمسي.
بعض هذه الجسيمات هي ما يسميه العلماء "الذرات المحايدة النشطة"، وهي ذرات تتولد عن طريق الاصطدامات بين جسيمات الرياح الشمسية وجسيمات الرياح البينجمية، وتعتمد قوة إشاراتها على قوة الرياح الشمسية وقت الاصطدام، فالرياح الشمسية، مثل الرياح على الأرض، لا تهب دائما بالشدة نفسها.
يشبه فك تشفير هذه الإشارة لتحديد حافة الغلاف الشمسي إلى حد ما الطريقة التي يستخدم بها الخفاش الموجات الصوتية لرسم خريطة لمحيطه المادي. يمكن أن تكشف قوة الإشارة والفاصل الزمني بين الإرسال والاستقبال عن شكل ومسافة العوائق.
الخريطة ثلاثية الأبعاد التي أعدها الباحثون للغلاف الشمسي (مختبر لوس ألاموس-ناسا)
شكل مثير
وبحسب المؤلف الرئيسي، فإن قمر آيبكس استخدم الطريقة ذاتها في التقاط إشارة "الذرات المحايدة النشطة" العائدة بعد سنتين إلى 6 سنوات، اعتمادا على طاقة هذه الذرات واتجاه "نظر" القمر الصناعي عبر الغلاف الشمسي.
وباستخدام هذا الفارق الزمني وبيانات من دورة شمسية كاملة امتدت بين عامي 2009 و2019، تمكّن الباحثون من وضع الخريطة ثلاثية الأبعاد للغلاف الشمسي.
ورغم أن الخريطة التي تم إنشاؤها لا تزال تقريبية بعض الشيء، وفقا للباحثين، فإنها تكشف بالفعل عن أشياء مثيرة للاهتمام حول الغلاف الشمسي. فشكله، على سبيل المثال، أصبح معلوما الآن، وهو يشبه إلى حد ما شكل المذنب مع ذيل لا يقل طوله عن 350 وحدة فلكية.في المقابل فإن المسافة الشعاعية الدنيا تتراوح بين 110 و120 وحدة فلكية، بما يتوافق مع ما سجله مسبارا فوياجر 1 و2. في حين يمتد الغلاف الشمسي في خطوط العرض العالية بين 150 و175 وحدة فلكية.
لا تزال مهمة القمر آيبكس مستمرة حتى عام 2025 على الأقل. من المقرر أن يبدأ مسبار رسم الخرائط والتسارع بين النجوم في عام 2025، حيث سيبدأ عند توقف آيبكس. ويأمل الفريق أن توفر هاتان المهمتان مزيدا من البيانات للمساعدة في تحديد شكل الغلاف الشمسي بصورة أدق.