روائيون ومترجمون يجيبون.. هل يتنافس الأدب العربي والمترجَم؟
الروائي المغربي السعيد الخيز (أعلى اليمين) ويساره الروائي الجزائري محمد جعفر، وتحتهما المترجم الليبي فرج الترهوني ويساره الروائي السوداني ممدوح أبارو (مواقع التواصل)
برغم النهضة الفنية التي شهدتها الرواية العربية في السنوات الأخيرة والتي دعمتها الجوائز؛ فإن متابعي الرواية المترجمة لا يزالون يتفوقون عددا، فهل يمثل الأدب المترجم منافسا للرواية العربية المعاصرة؟ وكيف يُقيّم الروائيون أنفسهم في ظل هذا السباق المفترض؟ الجزيرة نت استطلعت آراء متباينة لمترجمين وروائيين عرب.
لقد ترجم الإنسان على مر العصور أحاسيسه ورؤاه إلى معان دوّنها في أجناس أدبية متعددة، بل إنه احتاج إلى استطلاع ما كتب في ضفاف أخرى، ولم يكن له من سبيل إلى ذلك غير ترجمة الأدب.
المترجم الليبي فرج الترهوني يتفق مع القول بوجود منافسة أدبية في الشكل والمضمون بين الرواية العربية والمترجمة، ويضيف "يتجلّى هذا التنافس في مدى إقبال القارئ العربي على أيّ منهما، وأرى أنه في العموم يميل لصالح الأعمال المترجمة. ومع التسليم بتدنّي علاقة العرب بالكتاب والقراءة بشكل عام لأسباب عديدة ليس أقلها غزو الإنترنت وتغوّل الثقافة الرقمية السطحية؛ إلا أن هناك اختلافا كبيرا في المضمون بين الروايتين العربية والمترجمة".
ويكمل الترهوني "بالرغم من أن الرواية العربية الحديثة نجحت إلى حدّ بعيد في فتح عوالم السرد على آفاق إبداعية حديثة، وتمكنت قلة من الروائيين العرب من مضاهاة نظرائهم في العالم؛ فإنه يظل للرواية المترجمة سحرها الخاص الذي يغيب عن الرواية العربية".
ويعزو الترهوني تفوق المترجمة إلى أن الروائي العربي يصارع "قيودا اجتماعية عديدة تتعلق بالتابوهات المعروفة، والتي تحدّ من قدرة الرواية العربية على التعبير والتواصل بشكل طبيعي مع المتلقي خشية الرقيب والناشر والقارئ ذي القناعات المسبقة، وهناك أمثلة كثيرة لذلك، ويحضرني في هذا المقام كتاب "شمس على نوافذ مغلقة" في ليبيا وما لاقاه من استقبال عدواني من السلطة ومن الجمهور، كذلك رواية "الجنقو: مسامير الأرض" للكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن، والتهمة دائما هي خدش الحياء العام.. في الوقت التي لاقت رواية الجنقو احتفاء كبيرا في الغرب بعد ترجمتها إلى الفرنسية".
في المقابل، قد ينظر القارئ المستنير إلى الآداب المترجمة على أنها رافد مهمّ لأنهار عديدة متجددة من الثقافة والفكر، وذلك بحسب المترجم الليبي، "وأهميتها تكمن في الكشف عن المجتمعات الأخرى وما تحويه من ثراء معرفي وأسلوب حياة وفكر مختلفين. ونعلم أن العديد من الأعمال الأدبية المترجمة تركت آثارها على أجيال من القراء فأينعت ثقافة ومعرفة وفهما وأتاحت فرصة أرحب للتحليق في فضاءات مغايرة".
الأدب بين التنافس والإنجاز
أما الروائيون فتباينت رؤاهم؛ بين مؤيد ومعارض لفكرة التنافس، فالروائي القاص الجزائري محمد جعفر لا يحبذ فكرة أن المنافسة هي ما يحكم ميدان الأدب؛ ويعلل ذلك بالقول "أنْ نكتب ونصدر أعمالا لا يعني بالضرورة أن هناك سباقا يجب أن نرتهن إليه، وإن كانت هذه هي الصورة الغالبة في أذهان الجميع لعوامل عديدة منها أن الكاتب يجد نفسه بالضرورة مقحما في عملية التسويق لمنجزه، وهذا ما لا نراه في الغرب، إذ تتبنى مؤسسات مختصة هذا الدور، وهذا إلى جانب المشاكل الأخرى، والتي ترمي بظلالها على الموضوع، كضعف المقروئية، ومشكلة قرصنة الكتب (إذ دائما ما يتوفر الكتاب المترجم للقرصنة، بما يعني أنه سلعة غير مكلفة)، بالإضافة إلى سوء التوزيع وعدم الثقة في النص المحلي، والاعتماد في الغالب على ترجمة نوع معين من النصوص، وهو ذلك الذي يعتمد طابع الحكاية الصرف، وهو النوع المطلوب لدى القارئ غير المتمرس".
دور التسويق والدعاية
وعن علاقة المنافسة الأدبية بالعملية التسويقية يقول جعفر "إن عملية الترجمة نفسها إلى العربية تتولاها في الغالب الدور الكبيرة بما لها من قدرة على الاستقطاب والتسويق لعوامل لعل أهمها رأس المال المستثمر وتمكنها من الدعاية والإعلام. ثم إن ما يتم ترجمته هو زبدة الآداب، والقوائم تضم مؤلفات الكبار، كما أنها تختصر أهم منجزاتهم، والتي استمرت على مدى سنوات طويلة من الكتابة، كما أنه لا يختصر بيئة أو بلدا بعينه فنجده منفتحا على الآداب العالمية كافة، ناهيك عما تفرزه الجوائز العالمية كل سنة، وهي عديدة ومتنوعة".
ويقول جعفر "إذا كنا مجبرين أن ننظر إلى الأمر على أنه منافسة، فإن هذه الأخيرة لا تخضع لمقاييس أخلاقية، وهي تفتقد إلى المعيارية وترتكز أساسا على الغلط وما تفرزه الفوضى، وتعمد إلى تكريس واقع مشوّه وهجين. وأمام هذا المد الطاغي لا يمكن أن يقاوم مِن الكتاب العرب إلا الذين كرسهم الزمن أو أولئك الذين تحملهم الجوائز الكبرى، كما أن التنديد بكل هذا الاختراق الذي يحصل ولا يخدم لا الأدب ولا الثقافة لن يحل المشكلة، ولا نملك في هذه الحالة إلا المقاومة، وأظن أن الزمن كفيل بتحقيق شيء ما، إذ من المفروض ألا تظل تأسرنا حالة العمى الدهر كله".
الخضوع لمنطق السوق
الروائي المغربي السعيد الخيز يرفض مبدأ الحسابات التجارية لتقييم العملية الأدبية، ويوضح ذلك بالقول "ليس في الأدب منافسة. الأدب ليس سوقا تجارية. قد تكون الكتابة مقاولة بمعنى؛ بسبب كونها ترتبط بمهن كتّاب متعددة تخضعها لمنطق السوق، لكنها تبقى فعلا حضاريا لا يؤمن بالمنافسة بالمعنى المتوحش؛ لذلك لا أرى في حركة الترجمة مزاحمة للرواية العربية، بل هي فرصة لضخ دم جديد في الخيال العربي والعقل العربي. وبناء على رأيي السابق فنحن لسنا في سباق، بل إننا نستمتع بكل ما يكتب عبر العالم. غير أن المشهد الروائي العربي يعرف انتكاسة بسبب ضعف القراءة والانشغال بالوضع السياسي المزري والحروب الرخيصة والانقسامات".
صحوة الرواية العربية
ويرى الروائي السوداني ممدوح أبارو أن هناك تنافسا كبيرا بين الأدبين المحلي والمترجم، غير أن الترجمة – وفق رأيه- في الغالب تفسد متعة التعابير الأصلية. ويستدرك بالقول "إلا من رحم ربي من المترجمين كالمترجم صالح علماني رحمه الله"، بحسب تعبيره.
وعن وضع الرواية العربية الحالي يقول أبارو "الرواية العربية بنت بيئتها وهو ما يميزها عن المترجمة، وفي تقديري حاليا قد حدثت صحوة في عالم الرواية العربية وأصبحت تجذب القراء أكثر من المترجمة، ودونك نجاح المعارض والمسابقات الأدبية المختلفة. بالطبع هنالك عوامل كثيرة تؤثر على الروائيين العرب، أهمها موضوع النشر والتوزيع وسيطرة بعض الأسماء الكبيرة على الساحة بعلاقات تراكمية مع دور النشر والتوزيع".