بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
ومبارك عليكم يوم دحو الأرض .
قال الله تعالى:
( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ).
يوم دحو الأرض هو الخامس و العشرون من شهر ذي القعدة ، و هو يوم مبارك و يُستحب
فيه الصوم ، فعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي وَ أَنَا غُلَامٌ فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَ
الرِّضَا ( عليه السَّلام ) لَيْلَةَ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ .
فَقَالَ لَهُ : " لَيْلَةُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ ( عليه السَّلام ) ، وَ وُلِدَ
فِيهَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَ فِيهَا دُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَمَنْ
صَامَ سِتِّينَ شَهْراً " .
وَ رُوِيَ عَنْ الإمام مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ : " فِي خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَفَّارَةَ سَبْعِينَ سَنَةً ، وَ هُوَ أَوَّلُ
يَوْمٍ أُنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى آدَمَ ( عليه السَّلام ) " .
انّ هذا الشّهر هو اوّل الاشهر الحرم التي ذكرها الله في كتابه المجيد، وروى السّيد ابن طاووس في حديث انّ شهر ذي القعدة موقع اجابة الدّعاء عند الشّدة، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة في اليوم الاحّد من هذا الشّهر ذات فضل كثير، وفضلها مُلخّصاً انّ من صلّاها قبلت توبته، وغفرت ذنوبه، ورضى عنه خصماؤه يوم القيامة ومات على الايمان وما سلب منه الدّين، ويفسح في قبره، وينوّر فيه، ويرضى عنه أبواهُ، ويغفر لابويهِ ولذرّيّته، ويوسّع في رزقه، ويرفق به ملك الموت عند موته، ويخرج الرّوح من جسده بُسير وسهولة، وصفتها أن يغتسل في اليوم الاحّد ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات يقرأ في كلّ منها الحمد مرّة وقُلْ هُوَ اللهُ اَحَدٌ ثلاث مرّات والمعوّذتين مرّة ثمّ يستغفر سبعين مرّة ثمّ يختم بكلمة لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ الْعَليِّ الْعَظيمِ ثمّ يقول : يا عَزيزُ يا غَفّارُ اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَذُنُوبَ جَميعِ المؤمِنينَ وَالْمُؤمِناتِ فَاِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ اَنْتَ .
آية الدحو
قال الله تعالى: )أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السّمَاء بَنَاها رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا((1).
معنى الدحو
دحاها: أي بسطها، ومدّها، وأوسعها، وجعلها صالحة للسكن.
قال الإمام الباقر(عليه السلام): «لمّا أراد الله أن يخلق الأرض، أمر الرياح الأربع فضربن متن الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، وهو قول الله عزّ وجلّ: )إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكًا(، فأوّل بقعة خُلقت من الأرض الكعبة، ثمّ مُدّت الأرض منها»
أعمال يوم الدحو
1ـ الصوم:
وردت عدّة روايات تؤكّد على صيام هذا اليوم العظيم، منها:
أـ قال رسول الله‘: «وانزل الله الرحمة لخمسة ليالٍ بقين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم، كان له كصوم سبعين سنة»(3).
ب ـ قال الإمام علي(عليه السلام): «إنّ أوّل رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، فله عبادة مائة سنة صام نهارها وقام ليلها، وأيّما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربّهم عزّ وجلّ، لم يتفرّقوا حتّى يُعطوا سؤلهم، وينزل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة، يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين والصائمين في ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة»(4).
ج ـ عن محمّد الصيقل قال: «خرج علينا أبو الحسن ـ يعني الإمام الرضا(عليه السلام) ـ في يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة، فقال: "صوموا فإنّي أصبحت صائماً"».
قلنا: جُعلنا فداك، أيّ يوم هو؟
فقال: "يوم نُشرت فيه الرحمة، ودُحيت فيه الأرض، ونُصبت فيه الكعبة، وهبط فيه آدم(عليه السلام)"»(5).
د ـ قال الإمام الكاظم(عليه السلام): «في خمس وعشرين من ذي القعدة أنزل الله الكعبة البيت الحرام، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة، وهو أوّل يوم أنزل فيه الرحمة من السماء على آدم(عليه السلام)»(6).
ﻫ ـ عن الحسن بن علي الوشّاء قال: «كنت مع أبي وأنا غلام، فتعشّينا عند الرضا(عليه السلام) ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة، فقال له: "ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم(عليه السلام)، وولد فيها عيسى بن مريم، وفيها دُحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهراً"»(7).
2ـ الدعاء:
يستحبّ أن يُدعى في هذا اليوم بهذا الدعاء:
«اللّهمّ داحِيَ الْكَعْبَةِ، وَفالِقَ الْحَبّةِ، وَصارِفَ اللّزْبَةِ، وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَة، اَسْاَلُكَ في هذَا الْيَوْمِ مِنْ اَيّامِكَ الّتي اَعْظَمْتَ حَقّها، وَاَقْدَمْتَ سَبْقَها، وَجَعَلْتَها عِنْدَ الْمُؤْمِنينَ وَديعَةً، وَاِلَيْكَ ذَريعَةً، وَبِرَحْمَتِكَ الْوَسيعَةِ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمّد عَبْدِكَ الْمُنْتَجَبِ فِى الْميثاقِ الْقَريبِ يَوْمَ التّلاقِ، فاتِقِ كُلِّ رَتْق، وَداع إِلى كُلِّ حَقِّ، وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الاَْطْهارِ الْهُداةِ الْمَنارِ دَعائِمِ الْجَبّارِ، وَوُلاةِ الْجَنّةِ وَالنّارِ، وَاَعْطِنا في يَوْمِنا هذا مِنْ عَطائِكَ المخزوُن غَيْرَ مَقْطوُع وَلا مَمْنوُع، تَجْمَعُ لَنا بِهِ التّوْبَةَ وَحُسْنَ الاَْوْبَةِ، يا خَيْرَ مَدْعُوٍّ، وَاَكْرَمُ مَرْجُوٍّ.
يا كَفِيُّ يا وَفِيُّ، يا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيٌّ اُلْطُفْ لي بِلُطْفِكَ، وَاَسْعِدْني بِعَفْوِكَ، وَاَيِّدْني بِنَصْرِكَ، وَلا تُنْسِني كَريمَ ذِكْرِكَ بِوُلاةِ اَمْرِكَ، وَحَفَظَةِ سِرِّكَ، وَاحْفَظْني مِنْ شَوائِبِ الدّهْرِ إِلى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالنّشْرِ، وَاَشْهِدْني اَوْلِياءِكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسي، وَحُلُولِ رَمْسي، وَانْقِطاعِ عَمَلي، وَانْقِضاءِ اَجَلي.
اللّهمّ وَاذْكُرْني عَلى طُولِ الْبِلى إِذا حَلَلْتُ بَيْنَ اَطْباقِ الثّرى، وَنَسِيَنِى النّاسُونَ مِنَ الْوَرى، وَاحْلِلْني دارَ الْمُقامَةِ، وَبَوِّئْني مَنْزِلَ الْكَرامَةِ، وَاجْعَلْني مِنْ مُرافِقي اَوْلِيائِكَ وَاَهْلِ اجْتِبائِكَ وَاصْطَفائِكَ، وَباركْ لي في لِقائِكَ، وَارْزُقْني حُسْنَ الْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الاَْجَلِ، بَريئاً مِنَ الزّلَلِ وَسوُءِ الْخَطَلِ، اللّهمّ وَاَوْرِدْني حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاسْقِني مِنْهُ مَشْرَباً رَوِيّاً سائِغاً هَنيئاً لا اَظْمَأُ بَعْدَهُ وَلا اُحَلاّ وِرْدَهُ وَلا عَنْهُ اُذادُ، وَاجْعَلْهُ لي خَيْرَ زاد، وَاَوْفى ميعاد يَوْمَ يَقُومُ الاَْشْهادُ.
اللّهمّ وَالْعَنْ جَبابِرَةَ الأوّلينَ وَالاْخِرينَ، وَبِحُقُوقِ اَوْلِيائِكَ الْمُسْتَأثِرِينَ، اللّهمّ وَاقْصِمْ دَعائِمَهُمْ وَاَهْلِكْ اَشْياعَهُمْ وَعامِلَهُمْ، وَعَجِّلْ مَهالِكَهُمْ، وَاسْلُبْهُمْ مَمالِكَهُمْ، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسالِكَهُمْ، وَالْعَنْ مُساهِمَهُمْ وَمُشارِكَهُمْ.
اللّهمّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ، وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ، وَاَظْهِرْ بِالْحَقِّ قائِمَهُمْ، وَاجْعَلْهُ لِدينِكَ مُنْتَصِراً، وَبِاَمْرِكَ في اَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً اللّهمّ احْفُفْهُ بِمَلائِكَةِ النّصْرِ وَبِما اَلْقَيْتَ اِلَيْهِ مِنَ الاَْمْرِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مُنْتَقِماً لَكَ حتّى تَرْضى وَيَعوُدَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَديداً غَضّاً، وَيَمْحَضَ الْحَقّ مَحْضاً، وَيَرْفُضَ الْباطِلَ رَفْضاً.
اللّهمّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَميعِ آبائِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَاُسْرَتِهِ، وَابْعَثْنا في كَرّتِهِ حتّى نَكُونَ في زَمانِهِ مِنْ اَعْوانِهِ.
اللّهمّ اَدْرِكْ بِنا قِيامَهُ، وَاَشْهِدْنا اَيّامَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَارْدُدْ اِلَيْنا سَلامَهُ، وَالسّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ»(8).
3ـ الصلاة:
ركعتان تُصلّى عند الضحى، بالحمد مرّة، والشمس خمس مرّات، وتقول بعد التسليم: «لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلا بِاللهِ الْعَلىِّ الْعَظيمِ»، ثمّ تدعو وتقول: «يا مُقيلَ العَثَراتِ اَقِلْني عَثْرَتي، يا مُجيبَ الدّعَواتِ اَجِبْ دَعْوَتي، يا سامِعَ الاَْصْواتِ اِسْمَعْ صَوْتي، وَارْحَمْني وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتي، وَما عِنْدي يا ذَا الْجَلالِ وَالاكْرامِ»(9).
4ـ الغسل والعبادة وذكر الله تعالى.