بعد استكشاف الفضاء السحيق، قد يسبب الإشعاع الفضائي تلف الحمض النووي للخلايا ويؤدي لوراثة الطفرات في النسل.
"درصة فضائية" (أولاد الفأر) ناتجة عن التلقيح المجهري بحيوانات منوية مجففة (تيروهيكو واكاياما-جامعة ياماناشي)
وفقًا لدراسة نشرت في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) يوم 11 يونيو/حزيران الجاري، ولدت "درصة (أولاد الفأر) فضائية" نتيجة للتلقيح بحيوانات منوية لفئران تم تجفيفها وحفظها بالتجميد ودارت حول كوكب الأرض لما يقرب من 6 سنوات على متن محطة الفضاء الدولية.
تم حقن الحيوانات المنوية، التي كانت محفوظة في الفضاء لمدة 6 سنوات، في البويضات باستخدام طريقة الحقن المجهري، وتطورت الأجنة بشكل طبيعي في المختبر بعد الإخصاب بالحيوانات المنوية التي تم تجميدها وتجفيفها وتخزينها في الفضاء.
ويرى الباحثون أن هذه أخبار جيدة لأن الإشعاع المدمر للحمض النووي على محطة الفضاء الدولية أقوى بأكثر من 100 مرة من الإشعاع الموجود على الأرض. وكتبوا في الورقة البحثية "من المهم جدا دراسة تأثيرات إشعاع الفضاء ليس فقط على الكائنات الحية ولكن أيضا على الأجيال القادمة قبل حلول عصر الفضاء".
طريقة جديدة
ووفقا لتقرير لايف ساينس (Live Science)، فقد قام الباحثون اليابانيون بتجفيف الحيوانات المنوية للفئران، وهي تقنية سمحت لهم بالحفاظ على الحيوانات المنوية في درجة حرارة الغرفة لأكثر من عام.
وقد مكّن التجفيف الفريقً من خفض تكاليف إطلاق الحيوانات المنوية إلى محطة الفضاء الدولية عام 2013، حيث استخدموا أمبولات "خفيفة وصغيرة" لتخزينها، وبمجرد وصولها للمحطة، قام رواد الفضاء بتخزينها في ثلاجة عند 95 درجة مئوية تحت الصفر.
وعادت بعض العينات للأرض على فترات متباعدة، وبعد 9 أشهر، وجد الباحثون ضررا أكبر بقليل للحمض النووي للحيوان المنوي ونواة الأمشاج الذكرية مقارنة بالعينات الضابطة المرجعية، لكن معدلات الإخصاب والولادة كانت متشابهة، حسبما أفادوا في دراسة نُشرت في عام 2017.
وقد أظهرت الحيوانات المنوية المجففة بالتجميد "تحملا قويا" لإشعاع الفضاء. ويفترض الباحثون أن هذا قد يكون بسبب نقص جزيئات الماء داخل الخلايا المجمدة لأن الإشعاع يتسبب في تلف الحمض النووي من خلال الجذور الحرة التي تنتج عندما تتفاعل الجزيئات النشطة مع جزيئات الماء داخل الخلايا.
تم حقن الحيوانات المنوية المحفوظة في الفضاء لسنوات داخل السيتوبلازم (تيروهيكو واكاياما-جامعة ياماناشي)
دراسة الآثار طويلة المدى
فحص الباحثون العينات عن طريق استخدام أجهزة حديثة تقيس كمية الإشعاع التي تمتصها الحيوانات المنوية، ثم اختبروا مقدار تلف الحمض النووي للنواة، ووجدوا أن التخزين طويل المدى على متن محطة الفضاء الدولية لم يضر بشكل كبير بحمضها النووي.
بعد إعادة ترطيب الحيوانات المنوية، حقنوها في إناث الفئران، ووجدوا أن الفئران أنجبت 8 دِرَصة صغيرة بصحة جيدة، ولم تظهر أي اختلافات في التعبير الجيني مقارنة بالعينات الضابطة.
وفقا للدراسة، فإن معظم الدراسات التي أجريت حول تأثيرات الإشعاع الفضائي تم إجراؤها في ظروف تحاكي الفضاء، وهذا يمثل تحديا لأن الإشعاع الفضائي يتضمن أنواعا عديدة من الجسيمات النشطة -مثل الرياح الشمسية والأشعة الكونية الشمسية والأشعة الكونية المجرية- التي لا يمكن إعادة إنتاجها على الأرض.
ويقول الباحثون إنه لا توجد طريقة سهلة لدراسة الآثار طويلة المدى للإشعاع الفضائي على المواد البيولوجية، لأنه من الصعب إرسال حيوانات أو خلايا حية إلى محطة الفضاء الدولية لأنها تحتاج إلى متابعة مستمرة.
تطورت الأجنة بشكل طبيعي في المختبر بعد الإخصاب بالحيوانات المنوية المجففة (تيروهيكو واكاياما-جامعة ياماناشي)
ضرورية ومهمة للبشرية
بعد استكشاف الفضاء السحيق، قد يسبب الإشعاع الفضائي تلف الحمض النووي للخلايا ويؤدي لوراثة الطفرات في النسل.
ونظرا لأن تغيّر المناخ والمستقبل المروع المحتمل يدفعان البشر إلى النظر إلى ما وراء حدود كوكبنا، وربما الهجرة إلى كواكب أو أقمار محتملة للعيش في الفضاء، يحاول الباحثون فهم ما إذا كانت هذه الإشعاعات ستضر بالحمض النووي للثدييات والحيوانات الأخرى وتجعل من المستحيل التكاثر وإبقاء الإنسانية على قيد الحياة.
إذا كانت الحيوانات المنوية البشرية مرنة بالمثل في الفضاء، وإذا أصبحت الأرض غير صالحة للعيش في المستقبل، فمن المحتمل أن تلعب الحيوانات المنوية المجففة بالتجميد دورا هاما في إعادة تكاثر البشر في المستعمرات البشرية الفضائية.وإذا تبين أن هذه الطريقة موثوقة للحفاظ على الحيوانات المنوية، ففي المستقبل البعيد، يمكن أن يكون التخزين تحت سطح القمر للحفظ لفترات طويلة أو دائمة، وكتب الباحثون "هذه الاكتشافات ضرورية ومهمة للبشرية للتقدم في عصر الفضاء".