رواية:
الغريب_المتأنق
الجزء_الرابع و الأخير
لم يسعهم الوقت للهروب....أصوات بالخارج ،أحدهم يقول:
أقتحم هذا الكوخ........
حينها فقدت الوعي تماماً.................
إني مستلقية على ظهري فوق سريرا ،أحاول فتح عيوني إذا بإنارة قوية تعيقني على فتحها جيدا ، فإلتفت يمينا رأيت أجهزة طبية موصولة بيدي ثم إلتفت يسارا وجدت ممرضة تعدُ حقنة.
قلتُ في صوتاً شبه مسموعاً:
-أين أنا؟ما الذي حصل ؟
ابتسمت الممرضة قائلة:
-الحمد لله على سلامتك....استرخي قليلاً...
-من الذي آتي بي إلى هنا؟
-لقد كان مغم عليكِ حين آتي بكِ أحد أقربائكِ....و قد تولى دفع كل تكاليف العلاج و الإقامة بالمستشفى لكِ و لأمكِ.
- أمي.....ما بها....هل هي بخير....ما الذي أصابها.....
هممت بالنزول من فراشي لأذهب إلى أمي إلى جنتي لكن كنت مقيدة....فبدّل الحبال أجهزة طبية......
فإنفجرت بالبكاء حينها إقتربت مني الممرضة بعد أنّ حقنت الإبرة في ذراعي قائلة:
-إهدأي.....إن حالتكِ الصحية لا تسمح لكِ بالذهاب إلى أمكِ.....يمكنكِ الإطمنان عليها لاحقاً فهي في الغرفة المجاورة لغرفتكِ لقد تعرضت لصدمة ممّا أدى إلى إرتفاع ضغط الدم إنها تحتاج إلى الراحة و العناية....
-سأعود بعد ساعة أو أكثر.......أياكِ أنّ تغادر الفراش...
ثم خرجت و تركتني في وسط كل هذه الأجهزة ...إنها المرة الأولى التي أدخل فيها إلى المستشفى .
و بعد مرور ساعة تقريبا.....تدخل الممرضة....وجدتني نائمة فأيقظتني:
-فرح....آنسة فرح.....أحدهم يريد الإطمنان على حالتكِ.
أستيقظت و أخبرتها أنّ تسمح له بالدخول.
و ما إن رفع رأسه حتى إلتقت عيني بعينه.....إني أتعجب لوجود هذا الغريب المتأنق هنا و في غرفتي....
-الحمد لله على سلامتك.....هل.....
-لماذا أنت هنا؟ من أخبركَ عن مكاني؟
- فرح...أنا متأسف حقًّا لأني لم أخبركِ منذ البداية بحقيقتي.......
-أني أصغي إليكَ تفضل...
-إسمي قاسم أحد أقرباء زوجة عمكِ أي ابن أختها و أعمل صائغ و لي محل.....ذات صباحًا منذ سنة أتت خالتي للمحل تريد بيع عقدا و إسوارة.....ضننت أنهم ملكها....فأشتريتهم منها و أعطيتها النقود....عند عودتي إلى المنزل...أخبرتُ أمي بذلك فاستغربت و طلبت مني أنّ احتفاظ بهم حتى تفهم الحكاية.....و بعد مدّة لا أتذكر كم ربما ٣ أشهر أخبرتني أنّ العقد و الإسوارة سرقتهم لزوجة أخ زوجها يوم وفاته....و طلبت مني أنّ أعيدهم إليكِ و أطلب منكِ أنّ تسامحي خالتي أنّ المسامح كريم و قال تعالى:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" ........لكن كنت مشغولا لذلك تأخرتُ بإرجاع الأمانة إلى أصحابها...
-و أتيتُ لأتحدث معكِ لكن أخبرني أحد الأطفال أنكِ مفقودة....دأب الشّك في قلبي....عندها قررت الذهاب إلى منزلي خالتي لعلي أجد طريقاً إليك.........فعند سؤالي على زوجها أخبرتني أنّه مشغول بالعمل و البحث عنكِ فهو يخرج في الصباح الباكر و لا يعود حتى المساء.......قلت في نفسي : ماذا يخفي هذا العمّ؟
و في صباح اليوم الثالث بدأت بمراقبته منذ وقت خروجه من البيت حتى وصوله إلى ذاك الكوخ حينها علمت أنّكِ بالداخل....فإتصلت بالشرطة و بقيتُ أراقب المكان حتى تصل و بقية الحكاية تعرفيها.....لقد وجدتكِ فاقدة الوعي و أثار الحبل على معصمكِ و رجلكِ.
شعرتُ أن أجنحتي مبتورة.....و لساني ابكم لما سمعته
-ماذا عن عمي و مساعده؟
-أخذتهم الشرطة.....بتهمة الإختطاف.....هناك أعوان من الشرطة في الخارج في إنتظاركِ من أجل تقديم إفادتكِ.
-أنا متأسف مرّة أخرى على ازعاجكِ.....أما أمكِ أتيتُ بها إلى هنا لأن حالتها سئت......إلى اللقاء....سررت بمعرفتكِ.....
-قاسم.....إنتظر دقيقة.....أنا أيضا متأسفة.....إنّ تصرفاتي توجهك نتيجة مزيج من الأفكار المتلاطمة في ذهني.....شكرا لكل ما فعلته من أجلي و من أجل أمي.....سعيدة بمعرفتك.....بلغ أحر سلامي لأمكِ.....لكن ستبقى إسمك الغريب المتأنق و ذلك أنك تحاول أن تكون أنيق دائماً...
ضحك لكلامي ثم دخلت الممرضة مرّة أخرى تخبرنا أنه يمكننا رؤية أمي .
نزلت من الفراش لكني ساقي تألمني حينها أسندني قاسم على كتفه و أمسك بيدي و أنا أحمل المغذي الذي ربطته الممرضة بيد اليمنى حتى وصلت لفراشي أمي،حاولت إخفاء ما بداخلي لكن ملامحي تفضحني :
-صغيرتي.....يا وحيدة أمكِ....لا تخافي....لا تبكي إن البكاء يجعل عينيكِ الصغيرتين تتورّم.....
- أمي.....خفتُ أن لا أراكِ مجدداً......
ثم مسكت بيدها و إحتضنتها قائلة:
-نحن بأمان...ها أنا معكِ....سنعود إلى منزلنا....
بقى قاسم يراقبنا حتى نادت له أمي:
-تعال يا إبني.....لو لكَ لما كنتُ أنا و جميلتي بخير.....شكرا لكَ....لن أنسى معروفكَ....
لم يتركنا قاسم يوماً....منذ دخولنا المستشفى...كان يأتي صباحاً ليطمئن على حالي و معه الفطور لنفطر سوياًّ ثم يغادر إلى عمله و لا يعود إلا بعد دوامه عند المغرب....
و بعد ثلاث أيام ....أذن لنا الطبيب بالخروج......فوجدنا قاسم في إنتظارنا أمام المستشفى صحبة أمه.....لقد أصرا على توصيلنا إلى منزلنا.....
تغيرت عدّة أمور بعد تلك الحادثة، طلبت زوجة عمي السماح مني و من أمي ......و لم أعد أبيع الخبز و الأغطية الصوفية و توقفت على العمل في ضيعة عمي ....وذلك بعد أن أصبحت اشتغلُ في الأرض التي تركها أبي بمجال الزراعات السقوية ( الخضر، الفراولة.......) بمساعدة قاسم الذي مازالت أدعوه الغريب المتأنق .....أصبحنا أصدقاء مقربين ......في إنتظار ما يخالف ذلك.....لأنّ نظرات الحب و الإحترام التي ألمحها في عينه تفضح كل شيء.....لعل القادم أجمل.....تفاءلوا بالخير تجدوه فربما تتأخر الأشياء الجميلة لكنها حتما ستأتي.
*****النهاية *****
الحياة مليئة بالظروف والأحداث والمواقف التي من خلالها نتعرّف على معادن الأخرين ومكانتنا عندهم، فقد نجد أشخاص يقفون معنا مهما اختلفت الظروف، فتزداد ثقتنا بهم، وأشخاص يبتعدون عنا في بداية الطريق وهنا نعرف أنهم غير جديرين ولا يستحقون أن يكونو معنا مهم كانت العلاقات التي تجمعنا بهم.
منقولة