الحيوانات المنقرضة تركت علامات تدل عليها من آثار أقدام وهياكل عظمية متحجرة، وفي بعض الحالات ظلت جثث بأكملها مجمدة بمرور الوقت في الجليد أو مستنقعات الخث أو حفر القطران.
يعمل الطقس البارد على إيقاف سرعة التحلل العضوي عن طريق منع نمو البكتيريا (متحف ميشيغان لعلم الإحاثة)
شهدت الأرض تغيرات هائلة منذ تشكلها قبل 4.5 مليارات سنة، حيث مرت بمراحل متعاقبة من البرودة والاحترار، مما أدى إلى تغير جذري في النظام البيئي، تسبب في حوادث انقراض جماعية وأعطى فرصة لظهور أنواع جديدة.
لكن الحيوانات المنقرضة تركت علامات تدل عليها: من آثار أقدام وهياكل عظمية متحجرة، وفي بعض الحالات ظلت جثث بأكملها مجمدة بمرور الوقت -حرفيا- في الجليد أو مستنقعات الخث أو حفر القطران.
وقد تعلم البشر الكثير من هذه البقايا من عصور ما قبل التاريخ، فقد قاموا بتجميع أحداث التاريخ الطبيعي معا، وفهموا الكيفية التي وصل إليها حالنا اليوم بشكل أفضل.
بالطبع توجد قطع مفقودة، لكن المناطق التي حافظت على الماضي تساعدنا في ملء الفراغات، وفيما يلي بعض الطرق التي ساعدت على الحفاظ على كائنات ما قبل التاريخ، قدمها تقرير حديث لموقع لايف ساينس Live Science.
في بعض الحالات ظلت جثث بأكملها مجمدة بمرور الوقت في الجليد (ميشيل ياكوفليف – ذا سيبريان تايمز)
التجمد في البيئات الجليدية
التجميد طريقة مثالية لحفظ الحيوان، حيث يعمل الطقس البارد على إيقاف سرعة التحلل العضوي عن طريق منع نمو البكتيريا التي قد تتغذى على اللحم المتحلل.
ورغم ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 6 درجات مئوية أكثر مما كانت عليه خلال العصر الجليدي الأخير، الذي انتهى قبل حوالي 20 ألف عام، فإنه قد تم العثور على العديد من الكائنات القديمة بالمناطق المجمدة في روسيا وآسيا وأميركا الشمالية.
وكانت أجسادها كاملة وسليمة، ويشير وجود الطعام في معدة هذه الحيوانات -التي تعود إلى العصر الجليدي- إلى أن التجميد قد حدث بسرعة، الأمر الذي منع التحلل.
تم العثور على العديد من الكائنات القديمة بالمناطق المجمدة في روسيا وآسيا وأميركا الشمالية (جينادي بويسكوروف)
مستنقعات الخث تمنع التحلل
في حالة عدم وجود جليد، فإن هناك طرقا أخرى للحفاظ على أنسجة الجسم، فنقص الأكسجين عامل مهم للغاية في منع التحلل.
وتتمتع مستنقعات الخث Peat bogs في أوروبا بمزيج سحري من نقص الأكسجين وانخفاض درجة الحرارة والمياه الحمضية، والتي تعمل على "تخليل" بقايا أي حيوان ينتهي به الأمر في الوحل، فبمرور الوقت تتشكل طبقات من الطحالب على سطح المستنقع وتطلق مواد كيميائية توقف نمو البكتيريا.
ومستنقعات الخث هي رواسب بنية تشبه التربة، تتكون من التحلل الجزئي للمواد النباتية في الظروف الحمضية الرطبة للمستنقعات، وغالبًا ما يتم قطعها وتجفيفها لاستخدامها كوقود وفي البستنة.
وبعض أشهر بقايا الماضي التي تم اكتشافها في هذه المستنقعات تشمل بقايا بشرية محفوظة إلى جانب عدد كبير من القطع الأثرية القديمة، كما وجدت أحيانا كميات ضخمة من مادة شمعية صالحة للأكل مصنوعة من منتجات الألبان أو اللحوم مع هؤلاء الرجال بمستنقعات الخث.
عام 1950 تم اكتشاف جثة رجل في مستنقع بالقرب من بلدة تولوند الدانماركية في حالة جيدة (غيتي إيميجز)
ويعتقد أن هذه المنتجات كانت تخزن في المستنقعات لإبقائها باردة وطازجة قبل أن يعرف الإنسان التبريد بوقت طويل، وقد ذكرت مجلة سميثسونيان Smithsonian Magazine أن هذه الطريقة كانت فعالة لدرجة أنه يُعتقد أن هذا الطبق القديم (بما يحتويه من طعام) لا يزال صالحا للأكل، مادام الآكل يمكنه تجاهل الرائحة.
عام 1950، تم اكتشاف جثة رجل في مستنقع بالقرب من بلدة تولوند (Tollund) الدانماركية في حالة جيدة لدرجة أنه كان يعتقد في البداية أنه ضحية جريمة قتل حديثة، وتم استدعاء الشرطة لتفقد مكان الحادث. إلا أن ذاك الجسد كان يرقد في سلام لمدة 2300 عام، ولا يزال يرتدي ملابس العصر الحديدي، ويرقد حاليا بمتحف سيلكبورغ Museum Silkeborg في الدانمارك.
وقد تكون مستنقعات الخث أراضي قديمة للدفن أو حتى لطقوس التضحية، فقد تم العثور على جثة رجل تولوند وقد لف عنقه بإحكام بحبل جِلدي مضفر، ومن غير الواضح ما إذا كان قد تم شنقه أو خنقه. وربما استشعر الناس الارتباط بالمكان لخلوه من الأشجار، مما جعله شبيها بالسماوات، وبالتالي اعتبروه مكانًا ذا أهمية دينية، وفقًا لمجلة سميثسونيان.
كانت الحيوانات التي تعلق في حفر القطران تجتذب المفترسات (ويكيميديا كومونز)
القطران مصيدة الحيوانات
قد تحفظ الكائنات أيضا إذا علقت في حفرة مملوءة بالقطران. ففي بعض أنحاء العالم، تتسرب ينابيع الإسفلت الطبيعي إلى السطح على شكل نفط خام كثيف، حيث يتراكم ويشكل في النهاية حوضا يتفاعل سطحه مع الهواء ليصبح أكثر سمكا ولزوجة.
وقد كانت الحيوانات تعلق في اللزوجة السميكة وتكافح من أجل تحرير نفسها، ومن ثم يجتذب اهتياج الحيوان المحاصر الحيوانات المفترسة، وتعلق هي الأخرى. وبعد آلاف السنين، بدأ استخراج القطران المتصلب على شكل إسفلت، وظهرت الكنوز الدفينة فيه.
لابريا La Brea هي حفرة قطران مشهورة عالميا في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية، وقد علقت بها مخلوقات لأكثر من 50 ألف عام، ووفقًا لمتحف لابريا لحفر القطران La Brea Tar Pits and Museum فإن الموقع قيد التنقيب منذ عام 1913، وقد تم العثور على أكثر من 3.5 ملايين عينة فيه حتى الآن.
وتم التعرف على أكثر من 600 نوع من الحيوانات والنباتات من هذه البقايا، ولكن معظم الاكتشافات كانت عظام حيوانات كبيرة، معظمها من آكلات اللحوم مثل الأسود والذئاب، معروضة بمتحف جورج سي بيج George C. Page Museum الموجود في موقع التنقيب.