جاء في كتاب بحار الأنوار - الجزء (43) - الصفحة (66) نقلاً عن مهج الدعوات :-
الشيخ علي بن محمد بن علي بن عبد الصمد ، عن جده ، عن الفقيه أبي الحسن ، عن أبي البركات علي بن الحسين الجوزي ، عن الصدوق ، عن الحسن ابن محمد بن سعيد ، عن فرات بن ابراهيم ، عن جعفر بن محمد بن بشرويه ، عن محمد بن ادريس بن سعيد الانصاري ، عن داود بن رشيد والوليد بن شجاع بن مروان ، عن عاصم ، عن عبد الله بن سلمان الفارسي ، عن أبيه ، قال (رضي الله عنه) : خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله (ص) بعشرة أيام فلقيني علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فقال لي : يا سلمان ، جفوتنا بعد رسول الله ! فقال سلمان : حبيبي أبا الحسن ، مثلكم لا يجفي غير أنّ حزني على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طال فهو الذي منعني من زيارتكم . فقال (عليه السلام) : يا سلمان ، ائت منزل فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فإنّها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة قدا تحفت بها من الجنة . فقال سلمان : قد اتحفت فاطمة (عليها السلام) بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟ قال (عليه السلام) : نعم بالامس . قال سلمان : فهرولت إلى منزل فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها ، فلما نظرت إلي إعتجرت ، ثم قالت (عليها السلام) : يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ! قلت : حبيبتي أأجفاكم ؟! قالت (عليها السلام) : فمه اجلس واعقل ما أقول لك ، إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا ، فاذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد ، فدخل علي ثلاث جوار لم ير الراؤون بحسنهن ولا كهيئتهن ولا نضارة وجوههن ولا أزكى من ريحهن ، فلما رأيتهن قمت إليهن متنكرة لهن ، فقلت : بأبي أنتن من أهل مكة أم من أهل المدينة ؟ فقلن : يا بنت محمد لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة ولا من أهل الأرض جميعاً غير أننا جوار من الحوار العين من دار السلام ، أرسلنا رب العزة إليك يا بنت محمد ، إنا إليكِ مشتاقات . فقلت للتي أظن أنها أكبر سنا : ما اسمك ؟ قالت : اسمي مقدودة ، قلت : ولم سُمّيت مقدودة ؟ قالت : خُلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . فقلت للثانية : ما اسمك ؟ قالت : ذرّة ، قلت : ولم سميت ذرّة وأنت في عيني نبيلة ؟ قالت : خُلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . فقلت للثالثة : ما اسمك ؟ قالت : سلمى ، قلت : ولم سُمّيت سلمى ؟ قالت : أنا لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
قالت فاطمة (عليها السلام) : ثم أخرجن لي رطباً أزرق كأمثال الخشكنانج الكبار أبيض من الثلج وأزكى ريحا من المسك الأذفر . فأحضرته فقالت لي : ياسلمان ، أفطر عليه عشيّتك فإذا كان غداً فجئني بنواه أو قالت : عجمه . قال سلمان (رضي الله عنه) : فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا قالوا : ياسلمان أمعك مسك ؟! قلت : نعم ! فلما كان وقت الإفطار أفطرت عليه فلم أجد له عجماً ولا نوى ، فمضيت إلى بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اليوم الثاني فقلت لها : إني أفطرت على ما أتحفتيني به فما وجدت له عجماً ولا نوى ! قالت (عليها السلام) : ياسلمان ، ولن يكون له عجم ولا نوى ، وإنّما هو نخل غرسه الله في دار السلام بكلام علّمنيه أبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كنت أقوله غدوة وعشية .
قال سلمان (رضي الله عنه) : قلت : علمني الكلام ياسيدتي ، فقالت : إن سرّك أن لايمسّك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه . ثم قال سلمان : علمتني هذا الحرز فقالت : ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، بِسْمِ اللهِ النُّورِ، بِسْمِ اللهِ نُورِ النُّورِ، بِسْمِ اللهِ نُورٌ عَلى نُور، بِسْمِ اللهِ الَّذي هُوَ مُدَبِّرُ الاَّمُورِ، بِسْمِ اللهِ الَّذي خَلَقَ النُّورَ مِنْ النُّورِ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي خَلَقَ النُّورَ مِنَ النُّورِ، وَاَنْزَلَ النُّورَ عَلى الطُّورِ، فِي كِتاب مَسْطُور، رِقٍّ مَنْشُور، بِقَدَر مَقْدُور، عَلى نَبِيٍّ مَحْبُور، الْحَمْدُ للهِ الَّذي هُوَ بِالْعِزِّ مَذْكُورٌ، وَبِالْفَخْرِ مَشْهُورٌ، وَعَلَى السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ مَشْكُورٌ، وَصَلَىّ اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرينَ﴾ . قال سلمان : فتعلمتُهنَّ فوالله لقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممن بهم الحمى فكلٌّ برئ من مرضه بإذن الله تعالى .
الرد :-
الرواية ضعيفة لأنّ فيها أربعة من رجالها مجهولين ، وهم : جعفر بن محمد بن بشرويه ، محمد بن ادريس بن سعيد الأنصاري ، داود بن رشيد ، الوليد بن شجاع بن مروان . وهناك سندٌ آخر ذكره ابن جرير الطبري الشيعي وهو لا يسلم أيضاً من عدم وثاقة بعض رجاله .
وعلى فرض صحة تلك الروايات ، فأنّه ينبغي أيضاً أخذها على المحمل الحسن ؛ فسلمان (رضي الله عنه) كان شيخاً كبيراً من غير أولي الإربة ، وقد قال الله تعالى فيهم : ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ - [سُّورَةُ النُّوْرِ : 31.]
والمراد بغير أولي الإربة كما جاء في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - الجزء (4) - الصفحة (265) :- «من يتبع أهل البيت لطعام ونحوه ، ولا حاجة له في النساء ؛ لكونه عنيناً ، أو معترضاً ، أو أبله ضعيف العقل ، لا ينتبه إلى ما يثير الشهوة من زينة أو جمال ، أو رجلاً كبير السن أضعفه الكبر حتى صار لا هم له في النساء ، ونحو ذلك ممن ذهبت حاجتهم إلى النساء لعلة ما من العلل ، فأمن جانبهم ولم تخش منهم الفتنة ، فللنساء أن يبدين لهم من الزينة ما يجوز لهن أن يبدينها لمحارمهن المذكورين في الآية ، ومن في حكمهم من النساء والأطفال الصغار الذين لم يبلغوا مبلغاً من الإدراك أن يعرفوا عورات النساء ويتأثروا بها» .
وهذا الحكم يسري على سلمان لأنّه قد ثبت أنّه تجاوز المائتين سنة في ذلك الوقت .
فعن تاريخ الإسلام للذهبي - الجزء (3) - الصفحة (521) :- «قيل عاش مائتين وخمسين سنة، وأكثر مَا قيل: إنّه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، والأول أصحّ» .
وذكر أبو نعيم الأصبهاني في كتابه تاريخ أصبهان - الجزء (1) - الصفحة (74) :- «سلمان الفارسي الْمُشْتَاقُ إِلَيْهِ عَرُوسُ الْجِنَانِ، الْحُورُ الْحِسَانُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَالُ: إِنَّ اسْمَهُ ماهويه وَقِيلَ: مابه بْنُ بدخشان بْنِ آذرجشنس مِنْ وَلَدِ منوشهر الْمَلِكِ، وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ بهبود بْنُ خشان، اخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ، فَقِيلَ عَاشَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَالَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً» .
ومن كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي - الجزء (3) - الصفحة (339) :- قَالَ العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ: «يَقُوْلُ أَهْلُ العِلْمِ عَاشَ سَلْمَانُ ثَلاَثَ مَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً فَأَمَّا مَائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ فَلاَ يَشُكُّوْنَ فِيْهِ» .
ومن كتاب تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي - الجزء (1) - الصفحة (176) :- أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: نبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر قَالَ: سمعت جعفر ابن أَحْمَد بْن فارس قَالَ: سمعت العباس بْن يزيد يقول لمحمد بْن النعمان، يقول أهل العلم: «عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما إلى مائتين وخمسين فلا يشكون فيه وكان من المعمرين، قيل إنه: أدرك وصي عِيسَى بْن مريم وأعطي علم الأول والآخر وقرأ الكتابين» .
كما أنّ سلمان كان سبباً في نزول آية : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ حين أخبر سلمان النبي محمد خبر أصحابه من القسيسين الذين صحبهم قبل إسلامه ، فعن تفسير ابن كثير الدمشقي - الجزء (1) - الصفحة (284) :- قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدني، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ دِينٍ كُنْتُ مَعَهُمْ، فذكرتُ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ الْآيَةَ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، بَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَكَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيُؤْمِنُونَ بِكَ، وَيَشْهَدُونَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ نَبِيًّا، فَلَّمَا فَرَغَ سَلْمَانُ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا سَلْمَانُ، هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَكَانَ إِيمَانُ الْيَهُودِ: أَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَسُنَّةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ حَتَّى جَاءَ عِيسَى . فَلَمَّا جَاءَ عِيسَى كَانَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَأَخَذَ بِسُنَّةِ مُوسَى، فَلَمْ يَدَعْهَا وَلَمْ يَتْبَعْ عِيسَى، كَانَ هَالِكًا .
فسلمان المحمدي رجلٌ كبير طاعن في السن أدرك أحقاب اليهود والنصارى ثم الإسلام ، فهو من غير أولي الإربة من الرجال ، وهذا النوع من الرجال لا حاجة له في النساء ؛ لكونه رجلاً كبير السن أضعفه الكبر حتى صار لا هم له في النساء ولا ينتبه إلى ما يثير الشهوة من زينةٍ أو جمال ، فلا يمكن حمل كلمات سلمان (رضي الله عنه) على سوء الظن الذي ينقدح في أذهان المبغضين . وكان عُمره بحدود 250 سنة وفاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت صغيرةً جداً ما يقارب عُمرها الشريف 17 أو 18 سنة . وما يعضد ذلك هو أنّ سلمان (رضي الله عنه) أتى لفاطمة الزهراء (عليها السلام) من أجل استلام البشارة والدعاء ، وفعلاً حدث ذلك واستلم دعاء النور الذي علّمه لألف رجلٍ من أهل مكّة والمدينة وعافاهم من الحُمّى كما صرّح بذلك ! فالرواية احتوت على دعاء عظيم يتعبّد به المسلمون إلى يومنا هذا .
بالنسبة إلى (جفوتنا وأنها إليه مشتاقة) فلابد أن نحمل كلماته على صدقِ الولاء لهم وأنّها بالدرجة العليا من الإيمان ، وأنّ رغبة الإمام علي وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) بعدم انقطاع سلمان عنهم لأنّهم في الحقيقة يعرفون أنّ سلمان (رضي الله عنه) راوي حديث جيد وأنّه سيروي أحداث ظُلاماتهم وما يجري عليهم من مآسي فضلاً عن روايته لفضائلهم ؛ فهم (عليهم السلام) أرادوا أن لا ينقطع سلمان عنهم ويجفوهم لذلك السبب وربما أسباب أخرى والله أعلم . فعن تاريخ الإسلام للذهبي - الجزء (3) - الصفحة (515) :- قَالَ عَلِيٌّ (رض) : «سَلْمَانُ أَدْرَكَ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَالْعِلْمَ الْآخِرَ ، بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَهُوَ مِنَّا أَهْلِ الْبَيْتِ» . أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 85، وأبو نعيم في الحلية 1/ 187، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 96، والتهذيب 6/ 201، وتاريخ دمشق 16/ 96، والتهذيب 6/ 201 و203، صفة الصفوة 1/ 535 .
وأمّا أنّ فاطمة (عليها السلام) كانت تلبس ملابس قصيرة (وعليها قطعة عباء إذا خمّرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطّت ساقها انكشف رأسها) . فالجواب أنّ الراوي قال (عباءة) ولم يقل شيئاً آخر ، ومن المعلوم أنّ العباءة هي ما يلبس فوق الثياب وليس على الجسم مباشرةً ، فبالتالي يصبح تعبير سلمان بانكشاف الساق أي دالاً على الحالة الرثة لهذه العباءة . ومن ثم أنّ الزهراء (عليها السلام) كانت جالسة ولم تكن واقفة حتى تغطي موضع فينكشف آخر فجلوسها يستر كامل جسدها ، وهو المستفاد من قوله في الرواية : (فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء) . وكون العباءة قصيرة لا يمنع أنّها غطت رأسها بشيء آخر غير العباءة ،كما يمكن أن يفهم من كلمة الاعتجار الذي يأتي بمعنى لف العمامة على الرأس ، والعمامة عادةً تكون غير العباءة . وهذا يدلل على مدى التزامها وورعها إذ سترت جسمها بجلوسها من رجلٍ تجاوز عمره المئتين سنة .
أمّا كلمة "حبيبتي" فلا إشكال فيها ، فلقد قال تعالى : ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ - [سُّورَةُ الشُّورَى : 23.] ، والقربى أهل البيت (عليهم السلام) والمودّة تعني المحبّة الكبيرة لهم . وقد جاء في صحيح الترمذي - الجزء (6) - الصفحة (181) - الحلقة (3869) :- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَلِيًّا، ذَكَرَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَيُنْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
ففاطمة الزهراء (عليها السلام) قطعةٌ لا تتجزأ من لحم وعظم ودم رسول الله مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ! فمثلاً أنا أقول (حبيبي رسول الله) هل هذا حرام ؟ كذلك المرأة المسلمة تقول : (حبيبي رسول الله) ، وهذا ليس بحرامٍ على الإطلاق . خصوصاً أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء المؤمنين ، فعن المستدرك على الصحيحين للحاكم - الجزء (3) - الصفحة (170) - الحلقة (4740) :- زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدٍ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُوَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: «يَا فَاطِمَةُ، أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟» هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ هَكَذَا .
وعن تاريخ الإسلام للذهبي - الجزء (3) - الصفحة (46) :- وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا كَمَا كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ، وَقَدْ شَبَّهَتْ عَائِشَةُ مِشْيَتَهَا بِمِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . رواه أبو داود في الأدب 4/ 355 رقم (5217) باب ما جاء في القيام، والترمذي في المناقب 5/ 361، 362 رقم (3964) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، والحاكم في المستدرك 3/ 154 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أيضا في ج 3/ 160، وابن سعد في الطبقات 8/ 26، 27.