عن حذيفة (رضي الله عنه) قال : «كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا ينام حتى يقبل عرض وجنة فاطمة (عليها السلام) أو بين ثدييها» . وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا ينام حتى يضع وجهه الكريم بين ثديي فاطمة (عليها السلام)» .
الرد :-
إنّ رواية حذيفة وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) روايتان مرسلتان لم يذكر لهما سنداً ، فقد ذُكِرت في كتاب (ألقاب الرسول) بدون ذكر السند ، وذُكِرت في كتاب (مناقب آل أبي طالب) بغير سند ، وكذلك في (كشف الغمة) أيضاً بغير سند .
وعلى فرض صحة تلك الروايات ، فأنّه ينبغي أخذها على المحمل الحسن ؛ لأنّ الرسول وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) يريد الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً ، فهم منزهون عن المعاصي والذنوب ، فلا مجال للرذائل والأخلاق السيئة أن تكون فيهم ، لا فعلاً ولا قولاً ولا فكراً ، فلقد تكفّل الله بحفظهم وصيانتهم . فقد جاء في صحيح مسلم - الجزء (4) - الصفحة (1883) - الحلقة (61 - 2424) :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ (كساء من صوف أو خزّ أو كتان يؤتزر به) مُرَحَّلٌ (المنقوش عليه صور رحال الإبل)، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]
وهناك أحاديث عديدة بصيغٍ مختلفة بهذا المضمون :-
1- «في بَيْتي أُنزِلَتْ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]. قالتْ: فأَرسَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى فاطمةَ وعليٍّ والحَسنِ والحُسينِ، فقال: هؤلاءِ أهلُ بَيْتي. وفي حديثِ القاضي والسُّلَميِّ: هؤلاءِ أهْلي، قالتْ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أمَا أنا مِن أهلِ البيتِ؟ قال: بلى إنْ شاء اللهُ تعالى» .
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : الحاكم | المصدر : السنن الكبرى للبيهقي .
الصفحة أو الرقم: 2/150 | خلاصة حكم المحدث : صحيح سنده ثقات رواته .
2- «لمَّا نزلت هذِهِ الآيةُ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ في بيتِ أمِّ سلمةَ فدعا فاطمةَ وحَسنًا وحُسينًا فجلَّلَهم بِكساءٍ وعليٌّ خلفَ ظَهرِهِ فجلَّلَهُ بِكساءٍ ثمَّ قالَ اللَّهمَّ هؤلاءِ أَهلُ بيتي فأذْهِب عنْهمُ الرِّجسَ وطَهِّرْهم تطْهيرًا قالت أمُّ سلمةَ وأنا معَهُم يا نبيَّ اللَّهِ قالَ أنتِ على مَكانِكِ وأنتِ على خيرٍ» .
الراوي : عمر بن أبي سلمة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي .
الصفحة أو الرقم: 3205 | خلاصة حكم المحدث : صحيح .
ولقد ذُكِرَ "الرجس" فِي القُرآن الكريم (9) مرات في مواضع مختلفة من الآيات ، وهذا يعني أنّ الله تعالى قد أذهب عنهم جميع تلك الأفعال والصفات الخاصة بـ"الرجس" . مضمونها :- الآثام والخطايا ومن الخبائث في البواطن والاعتقاد . ومرض القلوب . القاذورات . الكفر وميتتة الكفر . وقول الزور . والبغي بغير الحق . والفواحش ما ظهر منها وما بطن . والخمر وهو كل مسكر . والأنصاب وهي أشياء كانوا في الجاهلية ينصبونها يذبحون عندها لأصنامهم . والأزلام وهي أشياء كانوا في الجاهلية يستقسمون بها لحاجاتهم يكتب عليها : (افعل لا تفعل غفل) ، وهي كالنرد تماماً . والميسر فهو القمار المعروف . وضيق الصدر عن الإيمان والضيق عن العلم واليقين . والحيوانات الميتة والمسفوحة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَ به لغير الله وكل طعام حرام . والغضب الإلهي والعذاب . والأصنام وعبادة الأوثان . وجهنم .
فكل الرجس بجميع أنواعه قد أذهبه الله عن أهل البيت (عليهم السلام) بل وطهرهم تطهيراً ، فلا مجال الآن للخيالات الفاسدة والأفكار المظلمة التي صورها المخالفين على هذه الأحاديث ! من أجل القدح بمكانة فاطمة وأبيها (صلّى الله عليهما وسلّم تسليماً) بحجّة أنّه كان يُقبل ما بين ثدييها ، وعلى الرغم من أنّ تلك الأحاديث مرسلة - أي مقطوعة السند - هو أنّ النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يعمل ذلك في حال صغرها ، كأن تكون بِعُمْر ثلاث سنين أو خمسة وما يقرب من ذلك ، أمّا بعد زواجها (عليها السلام) من الإمام علي (عليه السلام) فلا معنى لتقبيلها قبل النوم إلّا إذا كانت في بيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا في بيت الإمام علي (عليه السلام) ، وبذلك يقوى كون هذا العمل كان قبل زواجها (عليها السلام) .
ومن ثم هناك ملاحظة مهمة في اللغة العربية :
ففي لغتنا يكون معنى تقبيل ما بين الثديين تقبيل أعلاهما في الصدر ، كما يُقال عن تقبيل الجبهة : "قبّل ما بين عينيه" ، فليس المقصود تقبيل ما بين العينين تحديداً ، وإنّما تقبيل الجبهة في الوسط . فهكذا يكون معنى رواية تقبيل النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لصدر ابنته الزهراء (عليها السلام) في موضع أعلى صدرها (عليها السلام) وليس ما بين الثديين تحديداً ؛ وما تقبيله لها إلّا لأنّه بضعته وثمرة فؤاده وروحه التي بين جنبيه ، فكان يشم فيها رائحة الجنّة ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «رَائِحَةُ الْأَنْبِيَاءِ رَائِحَةُ السَّفَرْجَلِ ، وَرَائِحَةُ الْحُورِ الْعِينِ رَائِحَةُ الْآسِ ، وَرَائِحَةُ الْمَلَائِكَةِ رَائِحَةُ الْوَرْدِ ، وَرَائِحَةُ ابْنَتِي فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَائِحَةُ السَّفَرْجَلِ وَالْآسِ وَالْوَرْدِ . وَلَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً وَلَا وَصِيّاً إِلَّا وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ السَّفَرْجَلِ ، فَكُلُوهَا وَأَطْعِمُوا حَبَالَاكُمْ يُحَسِّنْ أَوْلَادَكُمْ» . (البحار : ج63، ص177. مستدرك الوسائل : ج15، ص135.) . وَعَنْهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «كُنْتُ إِذَا اشْتَقْتُ إِلَى رَائِحَةِ الْجَنَّةِ ، شَمِمْتُ رَائِحَةَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ)» . (البحار : ج8، ص190. تفسير السيوطي : ج4، ص282.)