كانت 2020 سنة جيدة فلكيا، ليست الأفضل لكن أحداثها -على مستوى سماء الليل- أمتعت الملايين من هواة الفلك حول العالم، ربما ساعدهم ذلك قليلا على مقاومة الملل والجزع في أجواء سيطر عليها المرض والخوف، أما في 2021، وبينما تشهد الأرض أكبر عملية تلقيح في التاريخ، عسى أن نتخلص من هذه الجائحة، فإن سماء الليل تستمر في إمتاعنا، ورغم أنه يمكن وصفها بالسنة العادية، فإنها ستُقدِّم حدثا واحدا بديعا لم نره منذ سنوات يتعلّق بالشهب.
دعنا نبدأ بالقمر العملاق (Supermoon)، وهو ظاهرة ممتعة يظهر فيها القمر البدر أكبر من المعتاد في حجمه ولمعانه، يحدث ذلك لأن طور البدر يقترن مع وجود القمر في نقطة الحضيض، أي أقرب موضع له من الأرض، ونحن نعرف أن القمر لا يدور حول الأرض في دائرة، بل في مدار بيضاوي يقترب منها في أحيان ويبتعد في أحيان أخرى. في حالة القمر العملاق يكون القمر أكبر في الحجم بنسبة 14% وألمع بنسبة 30% مما نسميه بالقمر الصغير (Micromoon)، وهو القمر حينما يتوافق بوصفه بدرا مع وجوده في أبعد نقطة عن الأرض (الأوج).
لا تخلط بين القمر العملاق وظاهرة وهم القمر (Moon Illusion)، وهي خداع بصري يبدو فيه القمر أكبر بالقرب من الأفق منه حين يرتفع في السماء، لا نعرف سببا محددا لتلك الظاهرة، لكن لو رفعت إصبعك إلى القمر في أي مكان بالسماء فسوف يغطيه، يعني ذلك أنها مشكلة ذات علاقة بعقولنا، ربما لأن وجود القمر بين الملامح الأرضية (المنازل أو التضاريس الأرضية) يُظهره كبيرا.
القمر العملاق دائما فرصة ممتعة للنظر إلى السماء، سواء كنت شخصا عاديا أو مُصوِّرا، حيث يفيد انتشار أخبار الظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار صورها بالتبعية، وفي عام 2021 نحن على موعد مع ثلاثة أقمار عملاقة، تحدث في ليالي 27 إبريل/نيسان و26 مايو/أيار و24 يونيو/حزيران، أفضلهم على الإطلاق هو حدث مايو/أيار حيث يكون القمر فقط على مسافة 357462 كيلومترا من الأرض أثناء البدر.
أربعة نجوم رائعة تقف في طريق القمر كل عام لتسلمه رسائل من الأحبة، وتطلعه على أسرار الكون، هكذا تصوَّر القدماء العلاقة بين القمر ونجوم الدبران (Aldebaran)، والمليك أو قلب الأسد (Regulus)، والسماك الأعزل (Spica)، وقلب العقرب (Antares). هناك الكثير من النجوم التي تعترض طريق القمر، لكن هذه هي الألمع والأقرب لخط سيره.
الدبران هو ألمع نجوم كوكبة الثور (Taurus)، والكوكبة هي مجموعة من النجوم في السماء تتخذ شكلا مميزا، ربطها القدماء بأساطيرهم وحكاياتهم. سوف يلفت الدبران انتباهك بلونه الأحمر الواضح، وهو عملاق أحمر لو كان بحجم كرة القدم لكانت الشمس بحجم حبة بازلاء، لكن -صدِّق أو لا تُصدِّق- لقد كان الدبران يوما ما بحجم الشمس تقريبا، ويوما ما ستكون الشمس مثل الدبران، فالنجوم متوسطة الحجم عادة ما تتضخم في آخر أيامها، بعد ذلك تنفض عنها أغلفتها الخارجية صانعة سحابة ملونة نسميها "سديما كوكبيا" تحتضن داخلها بقايا النجم.
قلب العقرب هو ألمع نجوم كوكبة العقرب، الذي سُمِّي كذلك بسبب لمعانه باللون الأحمر فكأنه ينافس لمعان المريخ، والممثل لإله الحرب آريس (Anti-ares) في الأسطورة القديمة. قلب العقرب هو عملاق أحمر فائق يعيش آخر أيامه، وهو أضخم من العملاق الأحمر، يبلغ قطره نحو 600-700 مرة قدر الشمس، ما يعني أن تقارن بين حبة بازلاء وبرميل ماء كروي! مثل العملاق الأحمر فإن العملاق الفائق أيضا إحدى مراحل نهاية عمر النجوم، لكنها النجوم الضخمة التي تفوق كتلة الشمس بنحو 8 مرات فأكثر.
أما ألمع نجوم كوكبة الأسد (Leo) فهو قلب الأسد، يبعد عنا نحو 77 سنة ضوئية، وهو نجم يافع، إذ يبلغ عمره بضع مئات الملايين من السنين فقط، النجم يقع بالضبط على دائرة البروج مما يجعله رفيقا شهيرا للقمر، وقد يحتجب خلفه أو خلف أحد الكواكب. قلب الأسد ليس نجما واحدا، مع تلسكوب صغير يمكنك أن تلاحظ توأمه الذهبي الصغير، التوأم في حد ذاته نجمان (قزم أبيض وقزم أحمر)، أنت تنظر إلى نظام يتكوّن من ثلاث شموس تدور معا، تذكر ذلك حينما تراه في المرة القادمة!
والسماك الأعزل هو ألمع نجوم كوكبة العذراء (Virgo)، يبتعد عنا 272 سنة ضوئية تقريبا، لكنه رغم ذلك يقتنص ترتيبا مُتقدِّما في قائمة ألمع نجوم السماء، والسبب هو أن ضيائية النجم تفوق الشمس بـ 2000 مرة، فهو عملاق أزرق، وبالتالي فهو يحرق هيدروجينه بسرعة شديدة، لذلك فهو قصير العمر، درجة حرارة سطح السماك الأعزل تصل إلى 23 ألف درجة تقريبا مقارنة بـ 6 آلاف درجة فقط لسطح الشمس.
سيكون عام 2020 سيئا بعض الشيء بالنسبة للقاء كلٍّ من الدبران وقلب الأسد والسماك الأعزل وقلب العقرب مع القمر، حيث تكون المسافة بين القمر والنجم دائما أكبر من 3 درجات قوسية، ما يعني أن القمر سيكون بعيدا عن الدبران مسافة أكبر من 3 أصابع (مد يديك أمامك وارفع 3 أصابع متجاورة)، يقيس الفلكيون المسافات بين الأجرام في سماء الليل بالدرجات القوسية وليس بالسنتيمترات أو الأمتار، فسماء الليل بالنسبة لراصد على الأرض هي كرة كبيرة نقع نحن في مركزها ونقيسها كأننا مركز منقلة هندسية ضخمة.
يقترب الدبران من القمر بأفضل شكل في مساء 23 يناير/كانون الثاني و20 فبراير/شباط، وقلب الأسد يقترب من القمر بأفضل شكل في مساء 25 مارس/آذار، و22 إبريل/نيسان، و19 مايو/أيار، أما السماك الأعزل فيقترب من القمر بأفضل شكل في مساء 19 يونيو/حزيران و16 يوليو/تموز، ويقترب قلب العقرب من القمر بأفضل شكل في مساء 26 مايو/أيار و20 يوليو/تموز.
تظهر الكواكب في سماء الليل لامعة مثل النجوم، لأنها -كالقمر- تعكس ضوء الشمس إلى الأرض، لكن لأنها بعيدة جدا عنا فإنها تظهر لنا نجوما. وفي 2021 هناك مجموعة ممتعة من رقصات الكواكب مع بعضها، ومع القمر كذلك، بالطبع كان الحدث الأكثر تميُّزا في 2020 هو لقاء المشتري مع زحل، وكانا في شهر ديسمبر/كانون الأول على أقرب مسافة من بعضهما بعضا لأول مرة منذ ثمانية قرون، لكنهما وإن ابتعدا قليلا عن بعضهما يظلان كذلك قريبين خلال 2021.
مارس/آذار تحديدا سيكون أفضل شهور كوكب عطارد، وفي 9 و10 مارس/آذار تحديدا، بعد الفجر وقبل الشروق، يمكن لك أن تتأمل أجمل رقصات الكواكب هذا العام، حيث يجتمع كلٌّ من المشتري وزحل وعطارد والهلال في مشهد واحد بديع يستحق أن تخرج لتتأمله، ولو لخمس دقائق، وتلتقط له صورة. المشتري يكون ألمعهم بلون مائل للأبيض، يليه زحل وعطارد بلون مائل للأصفر.
أما ثاني أجمل رقصة كواكب هذا العام فستكون في ليلة 12 يوليو/تموز، بعد غروب الشمس مباشرة، حيث تشهد هذه الفترة اقتراب كوكبين لامعين أعلى الأفق الغربي، وهما المريخ والزهرة، وكلاهما يقترب مع الهلال في 12 يوليو/تموز ليكون مشهدا ساحرا لا يتكرر كثيرا. المريخ يلمع بلون أحمر واضح، أما الزهرة فيكون ألمع أجرام السماء، ويلمع بلون أبيض.
بعد ذلك تأتي الرقصة الثالثة البديعة لهذا العام وتكون في 7 ديسمبر/كانون الأول، لتستكمل روعة 2021، حيث يلتقي كلٌّ من المشتري وزحل والزهرة في مشهد بديع ونادر، وينضم لهم الهلال ليجعله أبهى مشهد، بالطبع نعرف أن ألمع كواكب السماء هي الزهرة ويليها المشتري، وستكون تلك فرصة ممتعة جدا لتُقارِن بينهما في لحظة واحدة بعينيك.
بالطبع يمكن لك خلال 2021 أن تلحظ بعينيك اقترانا لأحد الكواكب مع القمر كل شهر تقريبا، لكننا اخترنا لك تلك الرقصات لأنها الأبهى والأكثر لفتا للانتباه، لكن كذلك لا تُفوِّت اقتراب القمر من المريخ في 17 إبريل/نيسان ومن الزهرة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وخلال الأشهر بين مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني يمكن أن ترى القمر وهو يمر بين المشتري وزحل مرة كل شهر.
تُعَدُّ 2021 هي سنة مثالية لزختين شهابيتين بديعتين، الأولى هي أهم أحداث هذا العام، لأنها الزخة الأفضل على الإطلاق في الوطن العربي، وهي شهب البرشاويات (Perseid Meteor Shower)، حيث تعتبر تلك الليلة الواقعة بين 12-13 أغسطس/آب، بداية من منتصف الليل وحتى شروق الشمس، هي ذروة تلك الزخة الشهابية، يعني ذلك أنها أفضل ليلة يمكن أن ترى فيها الشهب. يمكن لك أن ترى حتى 120 شهابا في الساعة لتلك الزخة تحديدا في المناطق النائية، سوف يغرب القمر في تلك الليلة حول الساعة 9 مساء، ما يترك لنا السماء حالكة مسكونة بمئات الشهب.
الزخة الثانية الممتعة هي التوأميات (Geminids) في الليلة الواقعة بين 13-14 ديسمبر/كانون الأول، وهي واحدة من أهم وأمتع زخّات الشهب طوال العام، حيث يمكن لك، في مكان ناءٍ، أن ترى نحو 100 شهاب في الساعة، سيغرب القمر في تلك الليلة حول منتصف الليل، وبعد ذهابه يمكن لك أن تتأمل السماء بهدوء.
لحُسن الحظ، زخات الشهب هي ظاهرة لا تحتاج إلى أدوات معقدة كالتلسكوبات أو النظارات المعظمة، كل ما تحتاج إليه هو أن تبتعد عن التلوث الضوئي قدر الإمكان، كلما اقتربت من مراكز المدن قلَّ عدد الشهب التي يمكن لك رصدها بشكل درامي، فإذا كانت الزخة ذات معدل يقترب من 120 شهابا في الساعة فإن رصدها داخل مدينة كالقاهرة لن يعطيك أكثر من 10-20 شهابا، إن كنت محظوظا. لذلك فإن الخروج للمناطق النائية، القرى مثلا عند الأقارب، أو الرحلات الصحراوية، سوف يكون حلًّا مثاليًّا.
سوف تحتاج إلى شيء تستلقي عليه بحيث تواجه أكبر مساحة ممكنة من سماء الليل، فرغم أن هدفك سوف يكون مركز الزخة الشهابية، فإن الشهب في كل الأحوال سوف تنتشر في كل السماء. سوف تحتاج إلى نحو نصف ساعة لكي تتكيف عيناك مع الظلام في مكان الرصد، استغل ذلك الوقت لترتيب الأدوات، كإخراج الشاي الساخن وتجهيز المكان، يحلو رصد الزخات الشهابية بالرفقة، وربما بعض الثرثرة في انتظار شهاب لامع.
الآن دعنا ننطلق إلى أقل الأحداث الفلكية أهمية وروعة في عام 2021، وهي تلك التي تجمع القمر بالشمس، ونقصد الخسوف والكسوف. شهد الوطن العربي في السنوات الفائتة مجموعة من أروع خسوفاته وكسوفاته، لكن للأسف في 2021 يشهد العالم كسوفين للشمس، أحدهما حلقي في يوم 10 يونيو/حزيران والآخر كلّي في يوم 4 ديسمبر/كانون الأول، وخسوفين للقمر، في 26 مايو/أيار و18-19 نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أن الوطن العربي لن يشهد منها سوى خسوف نوفمبر/تشرين الثاني الجزئي، ولن يكون ذلك في كل بلادنا العربية، بل في المغرب والجزائر، وسيتمكّن سكانهما فقط من رصد جانب جزء طفيف من الخسوف، يبدأ في نحو السادسة صباحا بتوقيت غرينتش.
حسنا، تخيَّلْ السماء ليلا مثل شاشة سينما ضخمة لا تبعث على الملل أبدا لأنها تتغير يوما بعد يوم، وفي كل يوم يمكن أن ترى شيئا جديدا مثيرا للانتباه والتأمل. أحد الأسباب التي تمنعنا عن تعلم أساسيات علم الفلك هو تصوُّرنا أن الأمر مُكلِّف ويحتاج إلى الكثير من الأدوات والسفر إلى أقاصي البلاد للرصد، وهذا غير صحيح، البداية الوحيدة الصحيحة مع سماء الليل تتضمن استخدام عينيك المجردتين، والصعود إلى أفضل منتجع في العالم، ذلك الذي يطل على عشرات المشاهد البديعة كل عام؛ سطح منزلك.