فيسبوك وإخوانه.. ماذا فعلت بنا وسائل التواصل؟
كتاب "فيسبوك وإخوانه: ماذا فعلت بنا وسائل التواصل؟" للكاتب والصحفي والمدرب عثمان كباشي صدر عن دار "إي كتب" في بريطانيا
صدر حديثا عن دار "إي كتب" (e-Kutub) ومقرها لندن كتاب "فيسبوك وإخوانه: ماذا فعلت بنا وسائل التواصل؟" للكاتب والصحفي في الجزيرة نت عثمان كباشي، مدرب صحافة الإنترنت والتحرير الصحفي بمركز الجزيرة للتدريب.
والكتاب -حسب المؤلف- هو عصارة أكثر من 10 كتب صدرت في السنوات الثلاث الماضية، كان موضوعها العام تأثیر العصر الرقمي في حیاة البشر، وقد حاول بعضها تقدیم جوانب مضیئة للعصر الرقمي وتحولاته التي أثرت وتؤثر في كثیر من مناحي الحیاة، بید أن معظمها تناول بالنقد الشدید الجوانب السلبیة لأبرز منتجات هذا العصر، ألا وهي منصات التواصل الاجتماعي وما تقدمه من محتوى.
وفي تقديمه للكتاب روى الدكتور محمد العلي، الصحفي في الجزيرة نت، كيف تعرف على معنى القراءة خارج إطار المناهج الدراسية عندما يمّم وجهه شطر إسبانيا لطلب العلم في أواسط السبعينيات. وعن هذا يقول "بعد زوال دهشتي الأولى من تجربة المترو واستخدامه في تنقلاتي اليومية، ألفيتني أمام دهشة أكبر؛ في كل رحلة بواسطة هذا القطار المنطلق بسرعة في باطن الأرض، كان ينتصب قبالتي مشهد متكرر، لرجال ونساء وفتيان وفتيات من كل الأعمار، يقتلون الوقت الذي تستغرقه رحلتهم إلى مقاصدهم، وهم يحملون كتابا صغيرا وفي بعض الأحيان صحيفة".
وأضاف "قرّاء من كل الأعمار يستعينون بالمعرفة والمتعة الذهنية، لقتل الوقت الذي تستغرقه رحلاتهم اليومية المملة.. تغير ديدن الشعوب المتقدمة، والأقل تقدما على حد سواء، مع دخول البشرية عصر الإنترنت ووسائل التواصل، ابتداء من نهاية ثمانينيات القرن الـ20. وفي أقل من ربع قرن انقلب المشهد الذي وقعت عليه أول مرة في إسبانيا إلى مشهد نقيض لرجال ونساء وفتيان وفتيات مسمرين أمام شاشات هواتفهم وفي بعض الأحيان يواصلون النظر إليها والتمعن فيها حتى وهم يجتازون طرف شارع إلى ضفته الأخرى".
وهذه هي واحدة من تجليات العصر الرقمي الذي بات حقيقة نعيشها في كل ساعة وفي كل تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا الإنسانية التي باتت الهواتف النقالة وسيطا دائما فيها حتى داخل الأسرة الواحدة، حسب مقدمة الكتاب.
وبتلخيصه لأكثر من 10 مصادر معرفية تتناول العصر الرقمي يقدم المؤلف -الشغوف بمتابعة كل ما ينشر بالإنجليزية في عالم الإعلام والإنترنت- كتابا يحاول مساعدة القراء "على فهم المصيدة التي وقعنا فيها منذ تسلسل العصر الرقمي في حياتنا اليومية، محدثا تحولا هائلا في مشاعرنا وعلاقاتنا الإنسانية".
أهدى المؤلف عثمان كباشي كتابه إلى شهداء ثورة السودان "الذين أثبتوا وظائف لوسائل التواصل أسمى من الدردشة"
مخاطر التحول الرقمي
كیف تبدو الحیاة في العصر الرقمي؟ وما مخاطر التحول الرقمي على حیاة الناس؟ هذا السؤال العمیق والكبیر كان عنوانا لتقریر شامل صدر في فبرایر/شباط عام 2019 عن المنظمة الدولیة للتعاون والتنمیة الاقتصادية (oecd).
ركز تقریر المنظمة الذي صدر بـ10 لغات -لیس من بینها العربیة- على 11 بعدا مهما في حیاة الناس هي: الدخل والثروة، الوظائف والأرباح، الإسكان، الحالة الصحیة، التعلیم والمهارات، التوازن بين العمل والحياة، المشاركة المدنية والحكم، العلاقات الاجتماعیة، الجودة البیئیة، الأمن الشخصي، الرفاه الشخصي.
وقد خلص التقریر إلى أن للتحول الرقمي نحو 39 أثرا في حیاة الناس، وأن هذه التأثیرات یمكن أن تكون إیجابیة إذ تسهم التقنیات الرقمیة في توسیع حدود توفر المعلومات وتعزيز الإنتاجية البشریة، ولكنها قد تنطوي أيضا على مخاطر على رفاهية الأشخاص، بدءا من التسلط عبر الإنترنت إلى ظهور معلومات مضللة أو وقوع قرصنة إلكترونية.
ولكنّ كثيرين تساءلوا قبل هذا التاریخ عن تأثیر الثورة الرقمیة والتحولات التي أحدثتها في مناحي حیاة الناس كافة، سواء أكانت إیجابیة أم سلبية.
ويقول المؤلف في مقدمة كتابه إنه ربما لا ینكر أحد أن للثورة الرقمیة فوائد جمة أثرت في كثير من مناحي حياة الناس، وفي أحيان كثیرة یسّرت سبل عيش البشر في مختلف الأصعدة، سواء أتعلق الأمر بالمجال السياسي أم الاقتصادي أم الثقافي.
وبالمقابل كان للتحول الرقمي العدید من الأوجه الضارّة التي أثرت في حیاة الناس وطرائق معیشتهم، وقد كان التأثیر السلبي لوسائل التواصل في حیاة الناس مجالا للعدید من الدراسات، وصدرت في السنوات الأخيرة كثير من الكتب التي تناولت ذلك.
"غزو البلهاء"
البروفیسور فیدیاناثان مؤلف كتاب "كيف يساهم فيسبوك في قطع العلائق بين الناس وتقويض الديمقراطية؟" لا یرى في هذه المنصة إلا الشرور، إذ یقول "إن كنت ترغب أن تبني آلة من شأنها أن تنشر الدعایة لملايين الأشخاص، وتشتت انتباههم عن القضایا المهمة، وتعمل على تغذیة الكراهية والتعصب، وتساهم في تآكل الثقة الاجتماعية، وتقوّض الصحافة المحترمة، وتشجع الشكوك في العلوم، وتنتظم في مراقبة شاملة للبشر، فإنك حتما ستصنع شیئا یشبه فیسبوك تماما".
وهو هنا یصطف مع رأي ینسب للفیلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إیكو (1932-2016) الذي یلقي باللائمة على شبكة الإنترنت "التي أتاحت لبعض الناس إمكانية أن یقولوا ما یرونه".
ویرى أمبرتو إیكو أن "أدوات مثل تویتر وفیسبوك تمنح حق الكلام لفیالق من الحمقى ممن كانوا یتكلمون في الحانات فقط بعد تناول 11 كأسا من النبیذ، دون أن یتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان یتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من یحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء".
وقد اختلف كثیرون مع وجهة النظر تلك المنسوبة إلى إیكو، إذ یرون أن الحق في التعبیر حق إنساني أصیل، ولا یمكن أن تمنعه بحجة أن ثمة من يسيء استعماله.
الافتتان بالذات
وثمة صورة أخرى للتأثیر السلبي للثورة الرقمیة نجدها في الكتاب الثاني الذي یحمل عنوان "سيلفي.. كيف أصبح الغرب مفتونا بالذات؟" إذ تقوم أطروحة الكتاب المذكور على أن الثورة الرقمیة ومنتجاتها كرّست نوعا من السلوك الإنساني يعطي قیمة كبرى للذات التي یرید صاحبها دائما أن یظهر بالمظهر الذي یجلب له الإعجاب والثناء ممن یعیش ویتفاعل معهم عبر العوالم الافتراضية.
ویأخذنا المؤلف في رحلة طویلة عبر سطوره، یرینا فیها نماذج لذلك الهوس الذي یقود أصحابه في أحیان كثیرة إلى الموت، مع أنهم سلكوا دروبا كانوا یعتقدون أنها سترسو بهم في مرافئ آمنة، تشبع جوعهم ونهمهم للتقدیر والإعجاب.
والكتاب الثالث في السلسلة المنتقدة للعصر الرقمي وتحولاته یحمل عنوان "البشر في مواجهة التكنولوجيا: كيف يقضي الإنترنت على الديمقراطية؟"، وتقوم فكرته الأساسية على تبصیرنا بما سماه المؤلف مخاطر الثورة الرقمیة، ویقدم لنا فیه حلولا ملموسة لكیفیة حمایة خصوصیتنا الشخصیة، بل حمایة العملیة الدیمقراطیة نفسها من تلك المخاطر.
وحسب المؤلف فقد كان المنتظر من الثورة الرقمیة وولیدها المحظوظ الإنترنت أن تطلق سراح البشر وتمنحهم مزیدا من الحریة.
لكن -یتساءل المؤلف- هل سلمنا عن غیر قصد الكثیر مما نملك لقوى غامضة تختبئ وراء جدار الشفرة؟ وهل تلاعب بكل ذلك حفنة من الرجال الخیالیين في وادي السلیكون؟ رجال الإعلان وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة.
"الكل يكذب"
وفي الكتاب الرابع "الكل يكذب.. كيف تجيب الإنترنت عن سؤال من نحن؟" یتطرق المؤلف إلى ما سماه سطوة البیانات الضخمة على حیاتنا، ویفصل في موضوع تأثیر البیانات الضخمة التي وفرتها ثورة المعلومات في حیاة الناس.
وینطلق من سؤال: لماذا یكذب الناس في الحیاة العامة؟ في حين إن سلوكهم على شبكة الإنترنت یعبر عن توجهاتهم ومشاعرهم الحقیقیة التي لا یریدون لها أن تعرف، وأن تظل طي الكتمان.
ویخبرنا المؤلف في صفحات الكتاب أن الكل یكذب.. ولكن عند غوغل الخبر الیقین، ویتساءل: هل أصبح غوغل ونظائره من محركات البحث كرسي الاعتراف الحدیث الذي یسرّ إليه البشر طائعین بما یخفونه من مشاعر حقیقیة عن الآخرین؟
فخ الإنترنت
أما الكتاب الخامس بعنوان "فخ الإنترنت.. كيف يبني الاقتصاد الرقمي الاحتكارات ويقوّض الديمقراطية؟" فهو أیضا یذهب في اتجاه الكتب السابقة نفسه، ویسعى لتوضیح مستوى السیطرة المذهلة التي تمارسها منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئیسة على الخطاب السیاسي وما یعنیه ذلك لعملیة الدیمقراطیة.
ویرى ما ثیو هندمان في كتابه الصادر عن دار جامعة برینستون الأمیركیة أن ثمة فخا للإنترنت وقع فیه كثیرون، وهو هنا یبحث تحدیدا في ظاهرة الاحتكارات الرقمیة التي ترفع علمها شركات كبرى مثل غوغل وفیسبوك، وتجني بها الأرباح الهائلة من الأنشطة التي یمارسها البشر على الإنترنت.
والكتاب السادس یحاول النظر في وضع العالم العربي في ظل العصر الرقمي، وعنوانه "تسريبات، قرصنة وفضائح: الثقافة العربية في ظل العصر الرقمي"، وهو للمؤلف اللبناني طارق العریس، صدر في أوائل دیسمبر/كانون الأول 2018 عن دار نشر جامعة برینستون الأميركية.
ویبحث الكتاب في التغییرات التي أحدثتها وسائل الإعلام الرقمیة في مجالات الأدب والسیاسة والثقافة في العالم العربي، ویركز على المواجهة بین الناشطین العرب والأنظمة الاستبدادية في الشوارع وعلى تأثير الإنترنت.
الاقتصاد والسلطة و"تجار الحقيقة"
أما الكتاب السابع فیتناول تأثیر العصر الرقمي في الاقتصاد عبر ظهور ما یعرف بالاقتصاد غیر الملموس، والكتاب بمنزلة تقریر شامل عن تزاید هيمنة الاقتصاد غیر الملموس، ویرى مؤلفاه أن ثمة ثورة اقتصادية هادئة حدثت في أوائل القرن الـ21، تمثلت في توجه الاقتصادات الكبرى في الدول المتقدمة نحو الاقتصاد غیر الملموس، وذلك عبر الاستثمار بصورة أكبر في قطاعات مثل التصمیم، والبرمجیات، والعلامات التجاریة وغیرها، مقارنة بالأصول الملموسة مثل الآلات والمباني وأجهزة الحاسوب.
والكتاب الثامن یتطرق إلى عدد من الأسئلة من قبيل: ھل ثمة علاقة بین صعود دونالد ترامب إلى سدّة السلطة في الولايات المتحدة الأميركية وتفشي ما یعرف بظاهرة الهراء والتفاهات؟ وما دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الأخبار الزائفة؟ ولماذا أصبحت الحقیقة الضحیة الكبرى؟ ولماذا أخفقت وسائل الإعلالم المحترفة في التصدي لكل ما سبقت الإشارة إلیه؟
هذه الأسئلة وغیرها یحاول كتاب "ما بعد الحقيقة.. كيف سيطر الهراء على العالم؟" الذي صدر في بریطانیا عام 2017 البحث عن إجابات لها وسبر أغوارها.
ویبحث الكتاب التاسع وعنوانه "أخبار زائفة.. المعركة بین الطغاة ووسائل الإعلام" في العلاقة ما بین وسائل الإعلام والسلطة.
ویورد المؤلف أن الإهانات والشتائم والعبارات من شاكلة "أخبار زائفة"، و"صحافة غیر شریفة"، و"عنصري"، و"غیر مستقر عقلیا" التي ظلت متبادلة بین معظم وسائل الإعلام الأمیركیة والرئیس الأميركي دونالد ترامب لیست ولیدة الیوم بل ثمة أحداث مشابهة وأمثلة كثیرة یحفل بها تاریخ العلاقة بین السلطة ووسائل الإعلام.
أما الكتاب العاشر والأخير في هذه المجموعة المختارة وهو بعنوان "تجار الحقيقة.. صناعة الأخبار في العصر الرقمي والمعركة من أجل الحقائق" فیركز على حال الصحافة الأمیركیة في ظل العصر الرقمي، انكساراتها وانتصاراتها، ومؤلفته جیل أبرامسون شاهدة على تلك الحال، وحاضرة في معارك عدة في ذلك الشأن، بل كانت هدفا لبعض هذه المعارك.
فقد شغلت منصب رئاسة تحریر صحیفة "نیویورك تایمز" (New York Times) الشهیرة من 2011 حتى 2014، وكانت أول امرأة تشغل هذا المنصب منذ صدور الصحیفة قبل 160 عاما.
ویركز الكتاب عبر فصوله الـ13 على مسیرة 4 مؤسسات إعلامية أمیركیة خلال العقدین الماضیین اللذین شهدا ما یمكن تسمیته بالاضطراب الإعلامي، وهي الحقبة التي بدأت بوصول ثورة الإنترنت، وشهدت انهیار نماذج العالم التقلیدیة، إذ لم تتمكن سوى قلة قلیلة من المؤسسات الإعلامية التقلیدیة من إيجاد سبل للبقاء على قید الحیاة، فضلا عن الازدهار.