النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

كيف قبلت الشعوب النصرانية الحكم العثماني الإسلامي؟

الزوار من محركات البحث: 7 المشاهدات : 161 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,790 المواضيع: 1,770
    التقييم: 888
    آخر نشاط: 30/September/2021

    كيف قبلت الشعوب النصرانية الحكم العثماني الإسلامي؟




    كيف قبلت الشعوبُ النصرانية الحكمَ العثماني الإسلامي، ولم تقم -كشعوبٍ مدنيَّة- بأيِّ نوعٍ من المقاومة لهذا الحكم؟!

    هذه في الواقع ملاحظةٌ مهمَّةٌ للغاية؛ لأنَّنا لا نتحدَّث عن عامٍ أو عامين، ولا عن منطقةٍ جغرافيَّةٍ محدودةٍ يسكن فيها شعبٌ معيَّنٌ بصفاتٍ خاصَّة؛ إنما نتحدَّث عن عدَّة عقود؛ بل قرون، ونتحدَّث عن بلادٍ كثيرة، تسكن بها شعوبٌ متعدِّدة، بصفاتٍ مختلفة؛ ومع ذلك اجتمع هؤلاء جميعًا بشتَّى طوائفهم وصفاتهم، وعلى مدار سنوات طويلة، على قبول الحكم العثماني، والتعايش الهادئ مع القيادة الإسلامية لبلادهم، مع أن جلَّ السكان من النصارى! ولم نُشاهد تغيُّرًا في هذا السلوك إلَّا في القرن التاسع عشر؛ أي بعد خمسة قرون تقريبًا من نشأة الدولة العثمانية!

    إن الإجابة عن هذا السؤال ليست في قوَّة السلاح، ولا في دهاء القيادة، ولا في خضوع الشعوب أو ضعفها؛ ولكن في أمرٍ واحدٍ لاحظه عامَّةُ المؤرِّخين، وهو نبل الأخلاق العثمانيَّة!

    لقد عرض العثمانيُّون نموذجًا في القيادة والإدارة لهذه البلاد ما عرفته هذه الشعوب على مدار القرون الطويلة التي عاشتها تحت حكم عدَّة إمبراطوريَّاتٍ كبرى؛ بل ما عرفته من حكامهم الذين هم من بني جلدتهم، ومن أعراقهم نفسها! إنه النموذج الإسلامي الراقي الذي يقوم على التسامح العظيم، وعلى الرأفة والرحمة، وعلى إيثار السِّلْم على الحرب، والعفو على العقاب، واحترام إنسانية البشر، وتقدير دينهم ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم، والوفاء بالعهود، ونظافة اليد واللسان، وتطبيق العدل واحترام القانون، وعدم التفرقة في ذلك بين مسلمٍ وغير مسلم، أو بين تركي، وبلغاري، وصربي، ويوناني.

    إنها الأخلاق الإسلامية التي طبَّقها العثمانيون بعفويَّةٍ وعدم تكلُّف، وكانت أظهر ما يكون في زمن أورخان ومراد الأول، وإن كانت ظاهرةً بشكلٍ عامٍّ في تاريخ الدولة كلِّه، أو على الأقل في القرون الخمسة الأولى منها.

    وكي لا يدَّعي أحدٌ أن المؤرخين الأتراك قد بالغوا في وصف أخلاق الدولة العثمانية فإنني سأكتفي في هذه الصفحات بذكر بعض الفقرات من كتاب المؤرخ الأميركي بيتر شوجر Peter sugar، وهو من أصولٍ مجرية، وهذه المعلومة الأخيرة مهمَّة؛ حيث إنَّ مَنْ يُراجع تاريخ الدولة العثمانية سيعرف العداء المستمرَّ بينها وبين المجر، فليس للمؤلف دوافع خاصَّة يمدح بها الدولة العثمانية، إلا أن حقيقة الأخلاق العثمانية لا يمكن تجاهلها، مع أنَّني أرى أن المؤلف قد تحامل على الدولة في بعض فقرات كتابه، إلا أنه لم يستطع الهروب من هذه الحقيقة التاريخيَّة.

    يقول بيتر شوجر وهو يصف الوضع السيِّئ الذي كانت عليه أوروبا قبل الحكم العثماني، ومفسِّرًا قبول الشعوب الأوروبية لدخول العثمانيين بلادهم دون مقاومة: «لم يُقاوم عامَّة الناس انهيار العنصر الحاكم القديم (النبلاء)، فلم يكن هناك ما يربطها بهذا العنصر؛ بل كانت تُعاني الكثير من سياساته التعسُّفيَّة، ولقد انهار النظام الاجتماعي-السياسي الذي كان سائدًا قبل الحكم العثماني بإبعاد هؤلاء الذين خَلقوا هذا النظام وحافظوا عليه؛ ومِنْ ثَمَّ أصبح إدخال النظام العثماني للمنطقة أمرًا ممكنًا، وهو النظام الذي بدا أنه ينفذ بسهولة ويسر»[1].

    ولقد كان من عادة الإمبراطوريات الحاكمة في ذلك الزمن أن تقوم باسترقاق الشعوب، بكلِّ ما تحمله الكلمة من آلام ومعاناة، إلَّا أنَّ العثمانيين لم يفعلوا ذلك؛ بل تعاملوا مع الأوروبيين تعاملًا متسامحًا مدهشًا، وفي هذا يقول بيتر شوجر بعد أن وصف النظام العثماني بأنه كان ليِّنًا متسامحًا: «وهذا ما يُثير الدهشة والإعجاب؛ فقد حال هذا التسامح دون استرقاق فلاحي جنوب شرق أوروبا، وسمح للسكان في المدن والريف بإعادة تنظيم أنفسهم في شكل حياةٍ جماعيَّةٍ بسيطة تحت قيادة مسئوليهم الذين اختاروهم»[2].
    ولم يكتفِ العثمانيون بعدم استرقاق الفلاحين إنما وفَّروا لهم وضعًا ماليًّا أفضل، كما وفَّروا لهم -أيضًا- عوامل الأمن والاستقرار، وهنا يقول بيتر شوجر: «رافق ما يُسمَّى بالسلام العثماني استقرار اقتصادي نسبي، وبعض التحسُّن في الأحوال بالقياس إلى الفترات السابقة؛ حيث زالت بعض العلل، وزال الخوف وعدم الأمان، كما زالت بعض المصاعب التي كانت تُسبِّب سخط الناس؛ ومِنْ ثَمَّ تمرُّدهم وثورتهم»[3].

    وتعامل العثمانيون بأدبٍ شديدٍ مع عادات الأوروبيين حتى لو كانت مخالفةً لعادات المسلمين، ويقول في ذلك بيتر شوجر: «وقد حدث أن أكَّد العثمانيون احترامهم لتلك الأعراف والعادات في المناطق التي حكموها من جنوب شرق أوروبا فور دخولها؛ بل لقد ضمَّنوها في القوانين العثمانية اللاحقة التي أصدرها السلاطين تباعًا، لتطبق في تلك الأقاليم، والتي عرفت باسم القوانين»[4].

    ويعقد بيتر شوجر مقارنةً بين حال الفلاحين في الولايات التي حُكِمت بشكلٍ مباشرٍ من العثمانيين والأخرى التابعة التي كانت تُحْكَم بالنصارى الأوروبيين، فيخلص إلى أفضليَّة الحكم العثماني؛ حيث قال واصفًا حال الإمارات التابعة المحكومة بالنصارى: «وتمَّ استرقاق الفلاحين، وعاشوا في ظروفٍ أسوأ من التي عاش فيها فلاحي ولايات أوروبا العثمانية»[5].

    ويخلص بيتر شوجر في النهاية إلى أن الأخلاق العثمانية كانت على مستوى غير عادي من الرقي والفضل؛ بل وصف تسامحهم الشديد بأنه كان متناهيًا (Extreme)، فقال: «ومن هنا فإن التسامح المتناهي الذي عامل به الحكام العثمانيون الأوائل رعاياهم من أهل الذمة -وهي سياسةٌ غير عاديَّةٍ حتى بالنسبة إلى دولةٍ إسلامية[6]- واحترامهم للقوانين المحلِّيَّة للبلاد المفتوحة، وتطابق هذا مع ما جاء في الشريعة من حيث معاملة أهل الكتاب، كان كفيلًا برضى الرعايا عن وضعهم الجديد في الدولة كمنتجين يدفعون ضريبة، وليس أهل ذمَّةٍ يدفعون جزية، ولعلَّ هذا يدخل مع أسبابٍ أخرى في تفسير سهولة قبول الفلاحين الأوروبيين للحكم التركي»[7].

    فهذه إذن بعض العبارات التي استخدمها بيتر شوجر في تفسير رضا الشعوب الأوروبية بالحكم العثماني الإسلامي، وليست هذه شهادات بيتر شوجر وحده؛ إنما شهد بها كثيرٌ من المؤرخين الغربيين، ولقد قال المؤرخ الأميركي دونالد كواترت Donald Quataert على سبيل المثال: «والحقُّ أن معاملة الإدارة العثمانية لرعاياها لا يمكن وصفها بأنها قاسية؛ فالنظام السياسي العثماني كان يقضي بعدم التعرُّض للناس في ممارسة شعائرهم الدينية، سواءٌ كانوا من النصارى أم اليهود، ولا غرو فالإسلام يقوم على مبدأ التسامح مع أهل الكتاب، والدين الإسلامي يحضُّ على حماية الذمِّيِّين في البلاد المفتوحة»[8].

    وأعتقد أن هذه الشهادات وغيرها قد أجابت عن السؤال الخاص بقبول الشعوب الأوروبِّيَّة لحكم المسلمين العثمانيِّين، وأنا أرى أن هذه الأخلاق السامية كانت من أفضل الإسهامات الحضاريَّة للدولة العثمانية[9].

    [1] شوجر، بيتر: أوروبا العثمانية 1354 – 1804، ترجمة: عاصم الدسوقي، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998م. صفحة 303.
    [2] شوجر، 1998 صفحة 307.
    [3] شوجر، 1998 صفحة 303.
    [4] شوجر، 1998 صفحة 20.
    [5] شوجر، 1998 صفحة 309.
    [6] الكلام بين علامتي الاعتراض من كلام بيتر شوجر أيضًا، ويقصد به أن الدول الإسلامية السابقة للعثمانيين كانت متسامحةً مع غير المسلمين، ولكنَّه يشهد أن العثمانيين كانوا أكثر تسامحًا، وهذه شهادةٌ إيجابيَّةٌ في حقِّ التاريخ الإسلامي كلِّه!
    [7] شوجر، 1998 صفحة 61.
    [8] كواترت، دونالد: الدولة العثمانية 1700-1922، ترجمة: أيمن الأرمنازي، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 2004م.صفحة 38.
    [9] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 1/ 134- 138.

  2. #2
    سفير السلام ..مراقب عام
    مستشار قانوني
    تاريخ التسجيل: April-2020
    الدولة: العراق.. الديوانية
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 24,613 المواضيع: 1,453
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 49120
    مزاجي: مبتسم
    المهنة: الحقوقي
    أكلتي المفضلة: الباجه.. الكباب.. سمك مشوي
    موبايلي: هواوي =Y9 مع ريل مي 51
    آخر نشاط: منذ 6 ساعات
    مقالات المدونة: 3
    شكرا جزيلا لك

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال