المنارة يمتد عمرها لأكثر من 1200 عام وكانت تعتبر أعلى مكان في بغداد بارتفاع يصل إلى 35 مترا إلا أنها انهارت عام 1271 ثم أعيد بنائها بعد 9 أعوام
صورة عامة لجامع الخلفاء من الخارج وسط بغداد القديمة
عج بالرصافة وابك ربعها البالي .. وقف بجامعها إن كنـت ذا بال
وانظر بعينيـك في أطراف ساحته .. هلاّ تجـد أثرا مـن شـامخ عـال
فـذي منارتـه في الجـو شـامخة .. كم أخبرت عـنه في قيل وفي قال
بتلك الكلمات صور الشاعر عبد القادر بن عبد الله البزاز العبادي المعروف بعبد القادر شنون المتوفى سنة 1910 جامع الخلفاء ومنارته.
يعتبر جامع الخلفاء في بغداد إلى جانب جامعي المنصور والرصافة أكبر جوامعها التاريخية والتي كانت تقام فيها صلاة الجمعة خلال القرون الأربعة الأخيرة من الخلافة العباسية.
وبحسب مختصون، فإن السنوات القليلة الماضية شهدت ميلان مئذنة جامع الخلفاء بشكل واضح، مما قد يعرضها للانهيار، ورغم الميلان الكبير للمنارة فإن السلطات لم تقم حتى الآن بأي إجراء ملموس لإنقاذها.
الجنابي اعتبر أن صيانة جامع الخلفاء ومنارته تأخرت بسبب الأزمة المالية التي تعانيها البلاد
عوائق
مدير المؤسسات الدينية في ديوان الوقف السني عامر الجنابي قال إن صيانة جامع الخلفاء ومنارته تأخرت بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد.
وقال للجزيرة نت إن إعادة ترميم وتأهيل الجامع يحتاج إلى موافقات معقدة من وزارة الثقافة العراقية، باعتبار أن الجامع يعتبر صرح تاريخي. وأشار إلى أن الوقف بادر إلى وضع تدعيمات للمنارة لمنع سقوطها.
وأضاف الجنابي أن إعادة تأهيل المنارة والجامع يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة، كون الأماكن التاريخية تحتاج إلى خبراء وإشراف متخصصين، لافتا إلى أن ديوان الوقف رفع مشروعا لإعادة ترميم الجامع.
ويضم جامع الخلفاء قاعة مصلى ثمانية الشكل تعلوها قبة عليها زخرفة بالخط الكوفي، يبلغ ارتفاعها نحو 7 أمتار، بالإضافة إلى الارتفاع الأساسي للبناء الذي يبلغ نحو 14 متراً، كما يوجد هناك 3 أروقة تؤدي إلى المصلى.
منارة الخلفاء يسميها البغداديون منارة سوق الغزل
أقدم منارة
ويقول المؤرخ التاريخي علي النشمي للجزيرة نت إن الجامع بُني في القرن الثالث الهجري في زمن الخليفة المكتفي بالله، أي أن منارته صامدة منذ أكثر من 1200 سنة، معتبرا أنها من أقدم المنارات في العالم.
وأضاف النشمي أن البغداديين يطلقون على منارة جامع الخلفاء "منارة سوق الغزل" نسبة إلى السوق الشعبي المعروف، حيث أعيد ترميم الجامع في ستينيات القرن الماضي دون المساس بالمنارة من باب الحفاظ على قيمتها الأثرية.
ولفت المؤرخ العراقي إلى أن الإهمال بدا واضحا على الجامع وخاصة المنارة الآخذة بالانحناء، دون أن يقابل ذلك أي إجراء حكومي لحماية الصرح التاريخي.ونبه النشمي إلى أن جامع الخلفاء مقام في منطقة تحتوي على مياه جوفية وهو ما قد يعرضه للتآكل أو الانهيار مع مرور الوقت.
وبني جامع الخلفاء بين عامي (289-295هـ، 902-908م)، وذكره الرحالة ابن بطوطة عند زيارته لبغداد علم 727هـ، 1327م .
وكانت منارة الجامع تعتبر أعلى منارة يمكن رؤية بغداد من على مأذنتها، وكان ارتفاعها 35 متراً، وسقطت المنارة وهدم الجامع عام 670هـ، 1271م، وأعيد بناؤهما عام 678هـ، 1279م.
سوق الغزل الشعبي يقع بجوار جامع الخلفاء
لجنة بريطانية
المتحدث باسم وزارة الثقافة أحمد العلياوي علق بدوره على تأخر ترميم جامع الخلفاء بالقول إن إعادة تأهيل الجامع ومنارته ليس سهلاً، لأن هذا الموقع يمتد لمئات السنين ويعد واجهة بغداد التاريخية، وبالتالي يحتاج إلى دراسات عميقة قبيل البدء.
العلياوي أشار إلى أن هناك لجنة خبراء بريطانية تقوم بدراسة كيفية إعادة تأهيل جامع الخلفاء، خاصة أنه يعاني مشاكل عدة أبرزها وجود أنابيب مياه الصرف الصحي في المنطقة، والتي تؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية للجامع وتهدد بانهياره.
وأضاف للجزيرة نت أن الوزارة بالتعاون مع اللجنة البريطانية وضعت المخططات الهندسية الضرورية لإعادة تأهيل الجامع ومنارته بانتظار اعتمادها للبدء بالتنفيذ.
قبة جامع الخلفاء مزخرفة من الداخل بالخط الكوفي ويبلغ ارتفاعها نحو 7 أمتار
آثار عباسية
إلى ذلك، يعتبر الباحث العراقي في التاريخ الإسلامي كريم الأعرجي، أن جامع الخلفاء من المساجد التاريخية المهمة بالنسبة للعراق عامة وبغداد خاصة.
وأشار للجزيرة نت إلى أن تاريخ المسجد يعود إلى العصر العباسي القديم وشيد بالأساس لأداء صلاة الجمعة، وكان يطلق عليه في البداية جامع القصر ومن ثم تحول إلى جامع الخليفة وبعدها سمي بجامع الخلفاء.
واعتبر الأعرجي أن جامع الخلفاء ومأذنته من ضمن آخر ما تبقى من آثار الدولة العباسية في العراق، حاثا الجهات المعنية بضرورة الاعتناء بها.
الحكومة المحلية لبغداد ليس لها دور في الاهتمام بالمعالم التاريخية الموجودة في العاصمة، هذا ما ذكره مدير المركز الثقافي في محافظة بغداد طالب عيسى، موضحا للجزيرة نت أن الحكومة المحلية تكتفي بالتواصل مع وزارة الثقافة والوقفين السني والشيعي من أجل حثهم على الاهتمام بالأماكن التاريخية.
شقوق في قاعدة منارة جامع الخلفاء
من جهتها، اعتبرت أمانة بغداد خلال تواصل الجزيرة نت بها أن المعالم التاريخية في العاصمة -بما فيها جامع الخلفاء- "ليس ضمن اختصاصنا".
تجدر الإشارة إلى أن بغداد تزخر بالآثار الإسلامية من بينها بقايا سور بغداد ودار الخلافة والمدرسة المستنصرية التي فيها ساعة المدرسة المستنصرية العجيبة ومقر المعتصم، وجامع الإمام الأعظم أبو حنيفة وجامع الأحمدية وغيرها.