لاقيتُ في الحبِّ ما لا عاشقٌ لاقى
وذاقَ قلبي مِن الهجرانِ ما ذاقا

فلي حبيبٌ عجيبٌ في صبابتهِ
ما حثَّـهُ البينُ إلا كانَ سبّاقا

كأنما أقسَمَت عيناهُ صادقةً
أن لا تشاهدني ما دمتُ مشتاقا

فأصبحَ الشوقُ مفتاحاً ويا أسَفِي
بمثـلِهِ زادَت الأبوابُ إغلاقا

حتى احترقتُ بنارٍ لم تَدع أبداً
من خافقي قِطعةً تحتاجُ إحراقا

أو هامتي خصلةً إلا وقد شَهِدَت
حشداً من الشيبِ لم تَشْهَدْهُ إطلاقا

فليلةُ العاشقِ المهجورِ ما بَرِحَت
تزدادُ عُسراً وطولاً كلّما اشتاقا

حتى تصوَّرَ أنَّ الشمسَ قد كتَبَت
مع الحبيبِ بهذا الأمرِ ميثاقا

فذاكَ لا يرتضي وَصلاً لعاشقهِ
وتلكَ لا تشتهي للصبِّ إشراقا

ويحَ المتيّمِ لا المحبوبُ أنصفَهُ
يوماً ولا نالَ مِن دُنياهُ إشفاقا

وبعدَ كلِّ الذي قاساهُ من كَمَدٍ
ما ساقَـهُ الحبُّ إلا خَلْـفَهُ انساقا

نموتُ وَجداً ولكنْ لا نزالُ لَهُم
رغمَ الأسى والأذى والهجرِ عُشّـاقا

نزورُ أطلالَهم شوقاً إذا رحَلوا
والدمعُ يلمعُ في العينينِ رقراقا

ونقرضُ الشعرَ من أعماقِنا غزلاً
نرجو بهِ سِعَةً للصدر إن ضاقا

فيلتقي حُسنُهم في حُسنِ أحرفِنا
ليكتسي الغصنُ أزهاراً وأوراقا

ونبذلُ الروحَ في إسعادِ من ملَكوا
منّـا قلوباً وأكباداً وأعناقا

وما رضينا سوى كفّ الهوى وطناً
ولا استطبنا سوى الأحضان أرزاقا

ولا أردنا إذا ما سامَنَا سقمٌ
إلا رضابَ فَمِ المحبوبِ ترياقا

فلم أجد مثلَ من عاشوا الهوى كرَماً
ولا أجلَّ مِن العشّاقِ أخلاقا

لو يملكُ الناسُ بعضاً من فضائلها
ما قسّموا الخلقَ ألوانا وأعراقا






م