قالت لي جدتي يوما وهي تبتسم ، سوف أحكي لكي قصة فتى الإسكيمو ، يحكى أن صبيا من الإسكيمو الذين يسكنون القطب الشمالي ، المنطقة الباردة من العالم ، والتي يكسوها الثلج والجليد طوال السنة ، خرج ذات يوم يصطاد وبينما كان سائرا على الشاطىء ، بجوار جبال الثلج العالية ، رأى اربعة من عجول البحر نائمة على قطعة كبيرة من الجليد ، ففرح لرؤيتها وقال لنفسه ، ان استطع صيد تلك العجول ، ساضمن اللحم نأكل منه طوال الشتاء ، والشحم نضيء به مصابيحنا .
وكان منظر الصبي وهو يسير على الجليد الأبيض البراق ، في ثيابة الثقيلة وفرائه الناصع كمنظر اللعبة اللطيفة ، فهو لم يكن قد اتم بعد الرابعة عشر من عمره ، ومع ذلك كان ماهرا في الصيد كثيرا ، سار الصبي نحو العجول على مهل وبحذر شديد حتى لا تخاف لما تراه ، ومر امامه بقرب الشاطىء جبل من الجليد ، كان يسير مع الامواج الهادئه فحجبه عن فريسه والعجول الاربعة ، اسرع الفتى الخطى ووصل الماء وواجه الفريسة ، واستعد لرمى الرمح وهنا سمع فوقه بالسماء صوتا عاليا وازيز .
التفت ورفع عينيه الى السماء فوجد طائر مسحور ، فقد كان ذلك هو الاسم الذي اطلقه الاسكيمو على الطائرات لانهم كانوا يعتبرونها طيورا مسحورة ، ولم يكن في قدراتهم ابدا ان يفهموا كيف تستطيع تلك الطيور المسحورة حمل الركاب فوق ظهرها ، وكان بالطائرة المحلقه رجلان وقال احدهم ، ربما استطاع هذا الصبي من الاسكيمو ارشادنا الى الكنز المفقود ، ولم يلاحظا ان طائرتهما السبب في هروب الفريسة ، التي كان الصبي يطمع في صيدها فانه ما ان رفع يده بالرمح وقذفها حتى كات عجول البحر قد غطست في الماء .
وانغرزت الرماح في الجليد من غير ان تصيب احد بأذى ، وهكذا طار أمل الصبي في صيد أخر ، فانه لم يكن م السهل والوقت منتصف الشتاء ، وجود فريسة يسهل صيدها فاسلم امره لله وسار ببطء فوق الساحل عند حافة الماء ، لكنه لم يمش طويلا حتى راى دبا قطبي ابيض يخرج من وراء قطعة كبيرة من الجليد ، ويسير نحوه بهدوء واطمئنان فاسرع هو الى رمح اخر ، وامسكة واستعد لاصابة هذة الفريسة الجديدة لكنه عاد فانزل ذراعة ، حين رأى معها دبا طفلا صغيرا يسير وراء تلك الدبة الكبيرة ، وقال لا لن اصيبها مادام لها هذا الطفل الصغير .
وكانت الدبة الام قد خرجت مع طفلها في نزهة ، ولم يبد عليهما اي اثر للانزعاج بسبب زئير الطائرة ، فوق الرؤوس ، وهنا حث امر غريب وانشق الجليد وظهر منه ، من بين الشقوق ثور البحر كبير الحجم ضخم جدا لو نابان كبيران وحادان ، استقر فوق صفحة الجليد الواسعة ، وهنا زأر ثور البحر زئيرا عاليا مخيفا يصم الآذان وصوب نظراته الى الدبة وابنها .
ثم زحف اليهما وفتح فمه ، وندما رأته الدبه الام دارت على عقبيها وجرت ، ولكن طفلها الصغير لم يستطع الهرب بسرعتها فلحقة ثور البحر ، وضربة بزحافته ضربة شديدة رمته على الارض وكأنما شعرت الدبة بما حدث فاسرعت عائدة الى طفلها ، ولما وصلت اليه وضعت رأسها تحت جسمه ثم رفعته فرمته بعيدا من فوق رأس الثور ، ووقفت هي امام الثور مسعدة لعراكة .
هنا اسرع الفتى الى مكان المعركة بعد ان قرر الاشراك فيها ، واخذ يصيح حتى يشغل الثور عن الدبة ، وراى الثور عدوة الجديد ، فاغتاظ وهاج وزاد زئيره وعلا ، وترك الدبة وسار الى هذا العدو الجديد بسرعة ، لكن كلفه ذلك حياته كلها فلقد اصابه رمح الفتى بشدة تحت ابطه اليسرى ، فاخذ يصيح بسببها صياحا مزعجا عاليا ، وبعدها انطلق يجرى الى الماء وغطس فيه ولم يظهر بعد ذلك ابدا ، وتنهد الصبي وقال : لقد ضيعت للمرة الثانية لحما ناكله ، وشحما نضيء به مصبيحانا .
ووقف الصبي يفكر لحظة ماذا سيفعل الان ، فاذا به يسمع صوت ازيز الطائرة فوق راسه من جديد ، وكانت تدور في السماء وتقترب من الارض بالتدريج ، حتى هبطت عليها وراحت تجري منزلقة فوق زحافتيها ، الصلبيتين ، حتى وقفت قريبا منه ، وخرج منها رجلان ليسا من الاسيكمو يلبسان فراء ثقيل جدا .
اقترب منه احدهما وقال له ، هل تستطيع ايها الصبي ارشادنا الى الثلج القطبي ، فمد يده الملفوفة في الفراء واشار بها الى بعيد فقال له الرجل ، هل يمكنك ان تجىء معنا هناك ، فنحن تائهون في هذة الصحراء الجليدية ، ولا نستطيع معرفة طريقنا فيها ، ونظر لهما الفتى قليلا ، وكاد يرفض لانهما اراد منه ان يركب معهما الطائرة ، وظهر الساحر المسحور وهذا ممكن فهما قد يقدران على اغواء اي واحد غيره اما هو فلا ، ابدا .
وادرك الرجلان انه يرفض ، فمد احدهما يده في جيبة ، واخرج حفنه من النقود الذهب ، اراها له وقال ، نعطيها لك ان جئت معنا ، واريتنا الطريق .
وعندما راى الصبي النقود تبرق في يد الرجل ، ابتسم وهز رأسه بالموافقة عدة مرات ذلك لانه بتلك النقود سوف يستطيع شراء ما يلزم قومه من اللحم والشحم ، ولكنه كان خائف من ركوب الطائرة .
وبينما هو يركب في الطائرة اذا بالدبه الام وابنها ، يظهران من وسط الجليد يراقبان الطائرة وهي تقلع وتعلو بالثلاثة ، وتحدث زئير مزعج ، وكانت تقاوم عاصفة جليدية ، وبقيت الدببة تنظر للطائرة وهي تبتعد حتى وصلا الى سفح جبل ، وبعدها غاصا في الماء واخذا يسبحان .
وكانت قمم الجبال من الاعلى ، غريبة وهنا اشار احد الرجلين قائلا ، انظر ان قمة هذا الجبل مسطحة وليس اصلح منها للنزول ، ثم التفت الى صديقة قائلا انظر انها السفينة المفقودة ، انها في وسط الماء ، وكان يبدوا بقايا سفينة شراعية كبيرة محطمة ، انغرزت في جانب من جوانب جبل كبير جدا من الجليد ، يبدوا انها قد تحطمت منذ مئات السنوات .
انحدرت الطائرة واقترب من جبل الجليد ثم راحت تدور فوقه ، مرتين او ثلاثة ، وبعدها هبطت بسلام فوق قمته المسطحة الواسعة ، وخرج منها رجلان والتفت احدهما للاخر وقال : ينبغي ان نحتاط ، فربما خاننا هذا الصبي الاسيكيمو ، وشد ما كانت دهشة الصبي بعد ذلك حين هجم على الصبي فجأة مرة واحدة ومن غير انذار ، وامسكاه وربطاه بحبل طويل متين ثم رمياه على الارض ، وراحا يعملان بهمه ، ويحفران في قمة الجبل حفرة واسعة ويتحدثان ، وهل انت متاكد ان الحطام حطام السفينة التي بها الكنز .
رد الرجل الاخر قائلا : متاكد جدا لقد اكد المستكشف الهولندي الذي اخبرنا مكان الكنز ، وهو في طريقة للكنز الان لابد ان ننتهي بسرعة ، حتى لا يستولى على الكنز قبلنا ، لا تخف يا عزيزي فسننتهي بعد قليل ، ولا شك في انه سينزعج حي يرى الكنز قد اختفى ، ويعرف ان اشخاص غيره قد سرقوه ووصلوا له قبله ، وهنا راى الفتى الرجلان يخرجان من الطائرة صندوق وفيه فتيل ، ويضعانه في الحفرة التي حفراها في قمة الجبل ، وادرك ان بالصندوق ديناميت ومتفجرات ، وانهما يريدان بهذا ونسف جبل الجليد ، وتحطيمه ليتمكنا من الوصول الى الكنز الدفين بالمركب ، الغارقة من زمن ، واشعل الرجلان الفتيل واسرعا الى الطائرة فركباها .
وحلقا فوق الجبل وترك الصبي على الارض يموت ، بجوار الصندوق الذي كان سينفجر في اي لحظة ، خاف الصبي وكاد يصاب بالجنون ، كان يعلم انه سيموت ، وهنا ظهر الدبة الام ويتبعها طفلها الصغير ، وشعرت الدبة بالخطر يهدد الفتى الذي انقذها وانقذ طفلها من ثور البحر ، فراحت الى الفتيل وشمته وشدته من الصندوق لاقتلاعه ولكنه كان محكم الغلق اخذت تضربه بقدميها وتضع الثلج عليه حتى انطفا المشعل والفتيل .
وهنا سمع الصبي صوت الطائرة تقترب اخذ ينظر للطائرة ولكن نزل منها رجل لا يعرفة اقترب الرجل من الصبي ، واندهش عندما رأه مقيد فكه واخبره بأنه ضابط شرطة ، وقص عليه الفتى ما حدث اعجب الضابط بالصبي وكافأة بالكثير من الأموال الذهبية التي استخرجها من السفينة الغارقة ، واصبح الفتى غني جدا ويمتلك الكثير من الأموال ولم يحتاج للصيد مرة أخرى ولا الخروج في الثلج من أجل توفير اللحم والشحم لعائلته .