كيف يمكن إعادة ضبط ايقاع سلوك المتطفلين الباحثين عن اسرار الناس وانتهاك خصوصياتهم، بالرغم من علمهم انهم يسببون انكسارات نفسية وتضييق مساحة التحمل، لدى المبتلين بثرثرات جوفاء، وقد أجمع المستطلعون أن الأسباب التي تقف وراء انتهاك الخصوصيات، هي التطفل وقضاء الوقت مع عوامل نفسية آخرى.
الى ذلك قال زيرفان امين من جامعة دهوك:” إن التدخل في شؤون الناس وانتهاك خصوصياتهم يعدان من الأفعال المشينة، التي يقوم بها الفرد، فيقوم بإختراق حدودهم الشخصية وتجاوز مسافاتهم الخاصة، لأنه في حقل دراسات علم النفس وعلم الاجتماع دراسات السلام وحل النزاعات، لكل شخص أربع مسافات محاط بأربعة حدود، وجدت لحماية خصوصية الشخص، ومن ثمّ إبعاد الخطر عنه، وتبدأ بالمسافة الحميمية، اي المسافة التي لا يسمح فيها الشخص بتواجد احد فيها إلا نفسه، وأحياناً يسمح بتواجد شخص يربطه علاقة حميمية (الزوج أو الزوجة مثلاً)، ويحتفظ فيها بكثير من أسراره وفيها يخلع جميع الاقنعة، التي يخفي بها وجهه الحقيقي أمام الناس.
مضيفا “لذا فاختراق حدود تلك المسافة يجعله ككتاب مفتوح لانتهاك خصوصياته، التي يخفيها أحياناً حتى عن نفسه، وتكمن خطورتها في جعل الانسان غير مجبر على مراعاة الكثير من القيم والعادات والتقاليد والاعراف، التي يحترمها ويخضع لها، ما يؤدي إلى المبادرة في القيام بكثير من الأفعال والتصرفات والسلوكيات غير المرغوبة علناً، والتي كان يقوم بها سراً، وبالتدرج سيتبع طريق الجهر بأفعاله وتصرفاته، غير المرغوبة أو على الأقل غير المرغوب القيام بها جهراً، يعزى إلى ذلك القيام بالاعمال الشاذة اجتماعية، ومن ثم ارتكاب الجرائم، وأشار إلى أن المسافة الثانية، فهي المسافة الشخصية، والتي يسمح فيها الشخص بتواجد عدد قليل من الناس فيه، الذين يثق بهم، ويرتاح لهم، ويبوح لهم بكثير من أسراره، وغير مجبر على ارتداء الاقنعة إلا قليلاً، أو قد تبدأ رحلة من النزاعات الهدامة واختلال التوازن في المجتمع، لشحن الأفراد بطاقة سلبية، وأما المسافة الأخيرة فهي العامة، والتي لا يخشى فيها الشخص شيئاً إلا قليلاً، وهي المسافة المسموح فيها القيام بكثير من الأفعال والتصرفات الاجتماعية، ولا تمارس فيها السلوكيات والتصرفات الشخصية إلا نادراً، فالناس في هذا المنطقة متشابهون كثيراً. ولكن يلبس فيها الكثير من الاقنعة التي تخفى التمييز البشري.
الوعي الذاتي
يعتقد الكاتب رزاق عداي ان التدخل في شؤون الناس وانتهاك خصوصياتهم يشكلان سلوكا مبتذلا، اضافة الى كونه تجاوزا على حيازات الاخرين، ومثل هذه الانثيالات على الاغلب تشيع لدى الاشخاص فاقدي الآفاق الرحبة والاهتمامات المنتجة، فعدم القدرة على تطوير الذات يؤدي بالضرورة الى التطفل على شأن الاخر، طبعا الفيسبوك اعطى مساحة كبيرة وفرصة لمن يعاني من هذا الداء، لنهش الآخرين والتسلل على ممتلكات الاخر، أنا أعتقد أن البيئة والمحيط تلعب دورا كبيرا في استفحال الظاهرة او خفوتها، ويأتي الوعي الذاتي وقوة الشخصية للحل دون الانساق مع بيئة ملوثة بالنفاق وثلم شؤون الآخرين.
أمن نفسي
المتدخلون في شؤؤن الغير يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية وأخلاقية، حيث لا يشعرون بالسعادة الا من خلال التدخل في شؤون الآخرين، وان الشخص المتدخل هو شخص انتهازي وساذج هذا ما صرح به د.احمد عباس الذهبي استاذ علم النفس جامعة بغداد، مضيفا أنَّ من خصائص هؤلاء يعانون الفراغ، ولديهم نوع من حب التسلط والسيطرة ويتصفون بالثرثرة ونقل الكلام و شعورهم بالنقص وحاجتهم، إلى تقدير المجتمع لهم ويفتقدون إلى الأمن النفسي، الكثير من الناس بحاجة إلى معرفة المساحة النفسية المسموح الدخول فيها مع الآخرين، سواء على مستوى حياتهم الخاصة أو العامة، ونلاحظ اليوم أصبح التدخل والتطفل على الآخرين، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت حرمتها منتهكة من قبل بعض المرضى النفسيين.
الجهل
د. مها الصكبان رئيسة مركز حقوق المرأة الانسانية أوضحت: «تأتي الظاهرة نتيجة عقود من التجهيل والظلم والنظام البوليسي، الذي كان أساسا مبنيا على التدخل في شؤون الآخر، وانتهاك الخصوصيات لاستبعاد الناس والسيطرة عليهم، وشل روح التفكير والعطاء والبناء لديهم، يضاف إلى ذلك عدم معرفة أفراد المجتمع بمفهوم حقوق الإنسان، وكذلك عدم وجود تعددية من المنظمات المدنية المدافعة عن حقوق الإنسان، وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسياسة الحزب الأوحد الذي ألغى التعددية السياسية، ومن ثمّ اكتظت السجون والمقابر بشهداء الرأي».
واستدركت الصكبان «هذه الظاهرة سببها انتشار الجهل، وتردي الوضع الاقتصادي، ولهذا تبرز بقوة لدى الشعوب الفقيرة،
ويضطر أغلب فئات الشعب إلى الفرار بعقولهم والهجرة إلى خارج العراق، ليتمكنوا من العيش بكرامة وسخر تلك البلدان لهم إمكانيات جمة، لاستثمار تلك العقول والكفاءات لصالح الدول المضيفة، وأكبر شاهد على ذلك عدد الكفاءات العراقية، التي حققت الإنجازات العلمية على مستوى العالم من المهجرين.
انعدام الثقافة
تقول المتقاعدة ام هيلين: «نصف الأدب عدم التدخل في ما لا يعنيك ونصف الحكمة في الصمت وبات الإنسان هاربا من ناسه وأصدقائه وأقاربه وحتى من أسرته، بسبب التدخل في شؤونه الخاصة، لأنها وجع للمشاعر في كل شيء يترتب بعده تعب نفسي كبير وآلام لانهاية لها، ولهذا يفضل الهروب ليجد عالما آخر، خاليا من لعله يجد، والتدخل يصدر من ناس لا توجد لديهم ثقافة بالمرة، فيفضل الابتعاد عن المتطفلين، لأنهم
لن يفيدوك بشيء مطلقا غير المضرة.