في سكون الليل حين أسدل الظلام ستاره مكان هادئ
في غرفة شبه مظلمة استندت أسرار على الحائط ،
تأملت أثاث الغرفة ، أغمضت عينيها وعادت بذاكرتها للوراء
وكلما أغمضت عينيها تعود لها ذكريات الماضي وكأنها محفورة
في عينيها ،
عندما كانت في التاسعة من عمرها توفي والدها بعد صراع مع
المرض دام سنين ، وعاشت مع والدتها وإخوتها
ولم يقطع مرور ذكرياتها سوى صوت زخات المطر
فإذا بها تلمح ضوء البرق من النافذة عادت إليها ذكريات الماضي المؤلم
قبل عدة سنين
عندما باحت لصديقاتها عن مشكلاتها في البيت ، وقسوة أمها
عليها ، في محاولة لإيجاد حل للمشكلة ولكنهم لم يصدقوها
إذ قالوا من المستحيل أن تقسو أم على ابنتها
وتكتشف أسرار بعد مدة خيانة صديقاتها لها بإفشاء سرها
للمعلمات مما جعل المعلمات يخبرن والدتها
التي عندما علمت نهرتها وقررت التخلي عنها وتركها تعيش عند عمها
ولم تحتمل تلك الذكرى المؤلمة فبكت وهي تتذكر صراخ والدتها عليها وهي
تقول أنها لا تريدها وأنها ليست أمها
وتتعالى الأصوات ويأتي إخوتها لتهدئة الأوضاع إلى أن تراجعت أمها عن قرارها
بكت كثيرا عندما تذكرت تلك الحادثة
عم الهدوء المكان ، لا صوت سوى أنين شهقاتها ، ظلت وقتا طويلا وهي تبكي
ثم سمعت صوت بكاء طفل في الخارج
وتذكرت يوم وفاة والدتها عندما لم يقبل أحد من أقاربها أن تعيش هي وإخوتها معه
فعاشت مع إخوتها في دار للأيتام
تذكرت أيام معاناتها في الدور
ففي الليلة الأولى لها في الدار .. لم تستطع النوم
كانت تبكي طوال الليل
وعند بزوغ شمس اليوم التالي
أعلنوا القرار الذي صدم أسرار
وفرقها عن إخوتها
فقد كان القرار بقائها في قسم وإخوتها في قسم آخر، ولم تكن تستطيع رؤيتهم
إلا ساعة واحدة في اليوم
لم ينتهي عذابها الذي عانت منه مع والدتها
بل زاد عليها في سنين بقائها في الدور
ففي دور الأيتام الذي تعيش فيه
كانوا يعاملونهم بقسوة ودون رحمة
لم يكن يكفيهم الطعام الموجود في الميتم
وكانت ملابسهم ممزقة إذ ليس هناك اهتمام من العاملين في الميتم
وإذا بكى أو شكا أحد من الأيتام
يحرمونه يوما كاملا من وجبة الطعام
وفجأة انقطعت ذكرياتها بصوت الرعد
فإذا بها تستجمع ذكرياتها من جديد
ثم تتذكر ذلك اليوم الذي غير حياتها بعد سنين طويلة من المعاناة
عندما كانت تجلس بين إخوتها في الميتم
ثم سمعت صوت شخص ينادي باسمها
وتلتفت لترى مالكة الميتم ، وهي تتساءل ما الذي تريده المالكة منها
وفجأة تسمع هي وإخوتها الخبر
الذي سيحول بينهم ، ربما سنين ، وربما طول العمر
عندما جاءت عائلة غنية لتتبناها
ثم ودعت إخوتها ورحلت مع تلك العائلة
تاركة إخوتها خلفها رغما عنها
بعد مرور عدة سنين، تزوجت وأنجبت طفلة
وتعود لذلك الميتم الذي بقي فيه إخوتها
وتكتشف أن كل منهم تبنته عائلة
وتنتهي ذكرياتها بسماع صوت ابنتها ذات الثماني سنين
وهي تقول (أمي ما الذي يجول في خاطرك ) ، ابتسمت لها
والدتها ابتسامة زائفة
بينما هي تحاول كبت دموعها ولم تحتمل غصة ألمها وضمتها لصدرها
بين دموعها وشهقاتها ، حين إذن أتى زوجها ورآها على هذه
الحالة وجلس إلى جانبها يواسيها
بعد فترة قصيرة من الزمن
أتى اتصال من عمها يخبرها أن تأتي بسرعة لأمر مهم
وذهبت مع زوجها وابنتها ،
في لحظة وصولها عند عمها
تفاجئت بإخوتها الذين استقبلوها بسعادة بالغة
بينما هي لا تكاد تصدق عينها
بكت دموع الفرح ثم ضمتهم لصدرها بعد أن فارقتهم سنين طويلة
وتكتشف حينئذ أن عمها أحس بالذنب وذهب ليأخذهم حتى يعيشوا معه
وظلت أسرار تزورهم على الدوام
وعاشت بقية حياتها مع زوجها الذي لم يحرمها من شيء
وعوضها عن سنين الألم الماضية وابنتها التي كانت سندا لأمها
ودواء لهمومها