فرانز ليتز
ترجمة: مي اسماعيل
ذات يوم كان هناك 38 تمثالا عملاقا؛ لأحد آلهة الاساطير الاغريقية المعروف باسم «أطلس»، تزين المعبد اليوناني القديم لزيوس الأولمبي. واليوم يبحث علماء الآثار خططا كبيرة لإحياء تلك الخرائب. فمن بين جميع العقوبات التي جرى توقيعها على العصاة (كما ورد في الاساطير الاغريقية)؛ كانت تلك التي فرضها «زيوس»؛ كبير الآلهة؛ على «أطلس» هي الأقسى. وأطلس هذا، هو أحد آلهة الاساطير الاغريقية، ولأنه قاد بقية الجبابرة في معركتهم الخاسرة ضد آلهة جبل الأولمب لأجل السيطرة على مجريات العالم؛ حُكِم عليه بأن يرفع السماء على كتفيه.. الى الأبد.
ومن بين جميع المعابد التي شيدتها الامبراطورية الاغريقية القديمة؛ لم يضم معبد تماثيل أطلس أكثر مما ضمها معبد زيوس الاولمبي في «أكراغاس»، وهي دويلة مدينة تسمى الآن «أغريجنتو»، تقع على الساحل الجنوبي الغربي لصقلية. إذ استقرت على أنصاف أعمدة ضخمة 38 تمثالا لأطلس، بلغ طول الواحد منها ثمانية أمتار منحوتة من الحجر الكلسي، وبدت كأنها تحمل (بأذرعها المطوية) العارضة الرئيسة المرتكزة على تيجان الأعمدة. بُني ذلك المعبد على النظام المعماري «الدوري-Doric»، تخليدا للانتصار على قرطاجة في معركة «هيميرا - «Himera في العام 480 ق. م.. لكنه اليوم عبارة عن كومة من الاعمدة المهدمة وكتل من الحجارة وسط متنزه المعابد الأثري. ولم يبق سوى واحد فقط من تماثيل أطلس في حالة شبه متكاملة. وهي تماثيل تدعى «تيلامون - «telamon، تحل محل الاعمدة عند واجهات المباني، وينتصب اليوم وسط المتحف الاثاري للمقاطعة، وقد تعرض لظروف جوية سيئة، كما فقد قدميه.
إعادة تجميع الاسطورة
أعلن مدير المتنزه د. «روبرتو سكياراتا» اطلاق مشروع جديد لإقامة تمثال ضخم جدا (فرانكين أطلس-Franken - Atlas؛ وتعني تمثالا غريبا الى حد مخيف. المترجمة) للاحتفال بالذكرى 2600 لتأسيس مدينة أغريجنتو. وسيجري تجميع اجزاء من ثمانية تماثيل «تيلامون» وتوزيعها بين رفوف ضمن هيكل نحتي معاصر التصميم ومعزز بالفولاذ على شكل أطلس المنبوذ. خلال السنوات الخمس عشرة الماضية استخرج الآثاريون نحو تسعين قطعة أثرية من أطلال المعبد، وقاموا بتصنيفها. يقول د. سكياراتا: «الهدف هو اعادة تجميع أعمدة معبد زيوس قطعة قطعة، لترميم جزء منه واعادته الى سابق روعته، وسيقف تمثال أطلس الجديد حارسا للمعبد المخصص لكبير الآلهة الاسطورية».
لا ترقى قصة مدينة أكراغاس إلى مستوى تشويق قصة أطلس؛ إذ استوطن المدينة غالبا مستعمرون من جزر «كريت» و»رودس»، ضمن منطقة اطلق عليها الرومان تسمية «Magna Graecia» أي- «اليونان الكبرى». برزت أكراغاس تحت ظل حكم الطاغية «فالاريس-Phalaris « ( نحو 570 -549 ق. م.)؛ الذي اشتهر أسطوريا بنهجه الشنيع في عمليات الإعدام. إذ كان المحكومون (وفق رواية «ديودوروس سيكولوس» مؤرخ القرن الاول ق. م.) يُطبَخون داخل ثور برونزي مجوف؛ لتنطلق صرخاتهم عبر أنابيب صوتية قصيرة فتحاكي خوار وحش غاضب. لكن المجتمع والفن ازدهرا تحت حكم طاغية آخر هو «ثيرون- Theron ) 488-473 ق. م.)، فوصف الشاعر الغنائي « بيندار- Pindar « أكراغاس بأنها أجمل مدينة «يسكنها البشر الفانون»، ويقال إن الفيلسوف «إمبيدوكليس-» Empedocles )وهو من أبنائها) وصف مواطنيها بأنهم يأكلون كأنهم سيموتون غدا، ويشيدون كأنهم سيعيشون أبداً.
تماثيل تحمل الأفاريز
خلال فترة حكم ثيرون إنصبت ثروات أكراغاس الكبيرة لإقامة مبانٍ عامة طموحة؛ قنوات مائية وأنظمة للمياه الجوفية وسلسلة من المباني المقدسة المقامة على منحدر صخري يطل على البحر المتوسط. أقيمت معابد مكرسة للآلهة هيرا وكونكورديا وهرقل وكاستور وبولوكس وديميتر وهيفايستوس، وإلى أسفل المنحدرات على ضفة نهر أكراغاس أقيم معبد لأسكليبيوس (إله الطب). بُني معبد زيوس (المعروف أيضًا باسم الأولمبي) بتشغيل العبيد القرطاجيين؛ وهم أسرى معركة هيميرا. وتعادل مساحة المعبد ملعبا لكرة القدم. ولكن العمل لم ينته في ذلك المعبد؛ فحينما غزت قرطاجة مدينة أكراغاس (سنة 405 ق. م.) بعد ثمانية أشهر من الحصار، كان المعبد لا يزال خاليا من السقف؛ ربما لصعوبة تسقيف تلك الأبعاد الواسعة.
أسهب المؤرخ ديودوروس في وصف ضخامة معابد الاولومبيين؛ قائلا إن الأخاديد العمودية المحفورة في الأعمدة الخارجية كانت من الضخامة، لدرجة يمكن أن يقف رجل بداخلها. وعلى خلاف أغلب الأعمدة المستخدمة خلال تلك الحقبة لم تكن الاعمدة هنا حرة الوقوف؛ وإنما شبه مندمجة مع الجدار، لتشكل ستارة مستمرة تسند ثقل العناصر المعمارية الأفقية التي تشكل الأفاريز والزخارف العليا. واذا كان بإمكاننا تصديق مقياس النموذج المصغر المعروض في المتحف؛ فإن تماثيل أطلس كانت تقف على حافات غائرة في الأجزاء العليا من المسافات بين كل عمودين، وتبدو أذرعها مرفوعة فوق رؤوسها.
إطلاق يدي أطلس
يُعزى سبب كومة الحجارة التي تحول اليها معبد زيوس الأولمبي الى ألفي سنة من الزلازل والسرقات والتهديم. وبحلول منتصف القرن الثامن عشر جرى انتزاع الحجارة واقتلاعها منه لاستخدامها لصد الأمواج وبناء الأرصفة البحرية في بلدة بورتو إمبيدوكلي المجاورة.
واجه مبدأ مشروع إعادة بناء التماثيل نقدا كثيرا؛ بوصفه مخالفا للمعايير المهنية، وربما الذوق السليم. يقول «تشارلز براين روز» الآثاري بمتحف الآثار والأنثروبولوجيا- جامعة بنسلفانيا: «لن يؤيد أي عالم آثار استخدام المنحوتات القديمة (مهما كانت مجزأة) لإنشاء منحوتة حديثة؛ حتى لو كان الهدف هو ابراز أهمية آثار الموقع القديمة». اليوم توجد نسخة من تمثال أطلس، وقد جرى تجميعها خلال سبعينيات القرن الماضي قرب الأطلال؛ لكنها محاطة بحاجز من الحبال لمنع الجمهور من الوصول اليها. أما «ليوناردو غوارنييري» المتحدث باسم المتنزه فيقول باستخفاف: «يعتقد بعض الزوار أن الأطلس الموجود على الأرض أصلي.. لكنه ليس كذلك». مضيفا أن يدي أطلس العملاق الجديد لن تكونا مقيدتين؛ لعل ذلك يزيح من على كتفيه بعض الاثقال التي حملها لعدة قرون!