ديميان كارنغتون ترجمة: أنيس الصفار

تظهر الابحاث ان دقائق البلاستيك المتناهية الصغر الموجودة في رئات اناث الجرذان الحوامل تنتقل بسرعة الى قلوب وأدمغة وسائر أعضاء أجنتها، وهذه هي اول دراسة تجرى على لبائن حيّة وتظهر أن المشيمة لا يمكنها منع مرور هذه الدقائق.
تظهر التجارب ايضاً أن أجنة الجرذان التي تتعرض لهذه الدقائق تكون أوزانها دون المعدلات الطبيعية بشكل ملحوظ عند نهاية فترة الحمل، ويأتي هذا البحث بعد الكشف مؤخرا، عن وجود دقائق بلاستيكية صغيرة ضمن مشايم الحوامل البشرية، وهي مسألة وصفها العلماء بأنها {مبعث قلق بالغ}، خلال الفترة الماضية كانت الابحاث المختبرية على المشايم البشرية (التي تبرعت بها الامهات بعد الولادة) قد كشفت أن حبيبات البوليستيرين الدقيقة يمكنها النفوذ عبر الحاجز المشيمي.
الخطورة الحقيقية تتمثل بوصول التلوث عبر الفتات البلاستيكي المايكروي الى كل بقعة من كوكبنا، من قمة جبل إيفرست الى أعمق أعماق المحيطات، ومن المعروف الآن أن البشر اليوم صاروا يتناولون دقائقه متناهية الصغر مع طعامهم وشرابهم، ويتنفسونه مع الهواء
ايضاً.

الأضرار الصحية
لم تعرف حتى الآن، حقيقة الآثار الصحية التي تسببها دقائق البلاستيك داخل الجسم، ولكن العلماء يعتقدون أننا بحاجة الى تقييم عاجل لهذا الموضوع، لا سيما بالنسبة للأجنة خلال مرحلة النمو في الارحام، والاطفال الصغار، لأن المواد البلاستيكية تحمل مكونات كيميائية من شأنها التسبب بأضرار طويلة الأمد.
تقول البروفيسورة فويبي ستابلتون من جامعة روتجرز، التي قادت البحث على الجرذان: {لقد وجدنا دقائق البلاستيك النانوية حيثما نظرنا، سواء في أنسجة الام، أو المشيمة، وحتى ضمن الانسجة الجنينية، لقد وجدناها داخل قلوب الاجنة وأدمغتها ورئاتها وأكبادها وكلاها}.
ويقول دانشو لي، من جامعة ترنيتي الايرلندية، وهو ليس من ضمن فريق البحث: {هذه الدراسة شديدة الاهمية، لأنها تثبت إمكانية انتقال دقائق البلاستيك خلال مرحلة الحمل لدى اللبائن، وربما يبدأ هذا بالحدوث من البدايات الأولى للحياة، لقد عثر على الدقائق في كل مكان لدى الاجنة، وبإمكانها أيضاً أن تمر عبر الحواجز الدموية في الدماغ .. إنه أمر صاعق}.
وبين البروفيسور جون بولاند، وهو ايضاً من جامعة ترنيتي: {من المهم عدم المبالغة في تفسير هذه النتائج، لأن الدقائق النانوية لها اشكال شبه كروية، بينما تكون البلاستيكات المايكروية المؤثرة فعلياً أشبه بقشور غير منتظمة الشكل، كما أن الشكل مهم جداً، لأنه يحدد كيفية تفاعل الدقيقة مع محيطها}، فخلال تشرين الاول الماضي اثبت الباحثان لي وبولاند ان الاطفال الذين يرضعون الحليب الصناعي المحضر من قناني بلاستيكية يبتلعون ملايين الدقائق في اليوم.
أجريت الدراسة على الجرذان من خلال وضع دقائق نانوية داخل القصبات الهوائية لحيوانات التجربة، كان حجم الحبيبة يقارب 20 نانومتر وهي من مادة بوليستيرين باعتبارها واحدة من خمسة انواع من البلاستيك الأكثر انتشاراً في البيئة، كما تقول ستابلتون، وقد تم تأشير الحبيبات بمادة كيميائية مشعة للتمكن من التعرف عليها.
ولدى اجراء تجربة ثانية منفصلة تأكد أن الدقائق النانوية تستطيع العبور من خلال المشيمة بعد نحو 90 دقيقة من تعرض الأمهات لها (يلاحظ أن اناث الجرذان عرضت للدقائق البلاستيكية النانوية في اليوم 19 من بداية الحمل، أي قبل يومين من الولادة وهي المرحلة التي يصل فيها الجنين الى اقصى وزن).
بعد وقوع التعرض بأربع وعشرين ساعة وجد أن الأجنة كانت أقل وزناً بنسبة 7 بالمئة مما لدى الحيوانات التي لم تتعرض، كما وجد أن مشيمة الأم أقل وزناً هي الأخرى بنحو 8 بالمئة.
تقول ستابلتون: {تفيد نظريتنا أن شيئاً ما قد تغير في الأوعية الدموية للامهات، وقد ادى هذا الى انخفاض جريان الدم، وهذا بدوره ادى الى ضعف وصول المواد الغذائية والاوكسجين}.

دور الدقائق
وتضيف ستابلتون أن الدقائق المايكروية التي استخدمها البحث أصغر بمليون مرة من البلاستيكات المايكروية التي عثر عليها داخل المشايم البشرية، وبالتالي فإن التعرف عليها اصعب عند الدراسات على البشر، كذلك فإن الدقائق النانوية تكون أكثر سُمّية من البلاستيكات المايكروية لذات النوع من المادة الكيميائية، لأن الدقائق تستطيع التغلغل أعمق الى الرئة كلما صغر حجمها.
خلال الخطوة التالية سيضع الباحثون الجرذان في حجرات استنشاق لجعلهم يتنفسون الدقائق عن طريق عملية التنفس الطبيعية، بدلاً من وضعها لهم في القصبات الهوائية مباشرة، هذه التجربة ستسمح ايضاً بتقييم آثار التعرض المزمن، اذ ستعطى جرعات اضعف لفترات اطول، بدلاً من جرعة واحدة كبيرة.