هذه الرواية استوقفتني كثيراً حيث زجَّت بي في متاهات النص المقدَّس الخارج عن قدسيَّته بحرفية المرأة الدميمة التي كتبته ...
إن رواية (المرأة التي كتبت التوراة) لمؤلفها البرازيلي (مُواسير سيكليار) واحدة من الروايات الإشكالية التي تحدّت تابو القداسة بحيث أنها أخرجت النص المقدَّس من هالته وغموضه إلى سردية مسلية وتخييلية تأسست على بشريَّة دميمة محاصرة بوعي مستلب ناهيك عن الاحساس بقباحة الوجه ودمامة الملامح وهاجس البحث عن الجنس المشروع في حدود إطار الزوجية...
لا أريد أن أدخل في تفاصيل الرواية وأتلو الحكاية تلو الحكاية من البداية إلى النهاية لكن قدرة الروائي المميزة دفعته إلى الاختصار معلِّلاً الأحداث بوعي فنِّي مُبَرَّر تماماً عبر أستاذ التاريخ ذلك الذي بمقدوره معالجة المرضى بالحيوات السابقة عبر أدلَّة يجدها لكل منهم عبر (متاهات الماضي) لحقبة أو شخصية تاريخية تتلاقى وتتداخل مع شذرات حكايته مما يدفع الناس إلى زيارته والمعالجة عنده...
تزوره فتاة عاشقة بعد أن اكتشفت أن الشاب الذي كانت تحبه منذ طفولتها ويعمل راعياً عند والدها على علاقة حب مع أختها فتتأثَّر كثيراً حتى أنها تغادر القرية... هذه الفتاة تدفعها غرائزها وعشقها بل ودمامتها المخيفة إلى الوغول في الحلم لدرجة أنها صارت تعشق النبِّي سليمان في الأحلام التي بعدئذٍ تحولت إلى واقع عجيب وبمساعدة من هذا المعلِّم قررت هذه الفتاة العودة إلى عهد الملك سليمان ثالث ملوك بني إسرائيل ثم تترك للمعلِّم أوراقا أو مخطوطة تضم حكايتها بين أزمنة وأمكنة الماضي والحاضر، تلك الحكاية التي توَثَّقت وأُبرمت كعقد بينها وبين الملك سليمان الذي صار زوجا لها بعد الاتفاق مع أبيها كتحالف بين الملك وتلك القبائل التي يرأسها والدها...
إن فكرة المعالجة بالعودة إلى الحيوات السابقة وتلبُّس الشخصيات ببعضها فكرة عظيمة ابتكرها الروائي ليسرد لنا بيُسر وسلاسة حكاية الملك النبي سليمان مع النص المقدَّس ومع نسائه اللاتي تربَّين على الألفة بين الزوجة والخليلة، وكان اقتحاماً لعالم ملغَّز وغرائبي مليء بالحكايات والمؤامرات والنساء، عالم قائم بذاته يُدوِّنه الرِّق ولجنة العجائز الذي كلَّفهم به الملك النبي بكتابة تاريخ الأسلاف والحضارات والديانات، لكن بوصول الفتاة غير المسمَّاة (بلا اسم في الحبكة الروائية) يتغير كل شيء بحيث يخرج النص التوراتي عن قداسته ليهبط إلى هم الإنسان في الحب والجنس والشهوة والغيرة والحسد والانتظار المضني والموت والمرض والكره والمؤامرات... حكايات جميلة يصنعها قبح عظيم كسِلاح ذكاؤه مفتاح للدفاع عن وجود غواية الجسد الناضج والجامح توقه للعاطفة والشهوة والجنس كحياة طبيعية في مؤسسة الزواج وديمومة جذوة اشتعالها.. والسؤال الملح في السخرية الموجعة للمرأة التي كتبت التوراة؛ هل إنّ هذه الدمامة المفرطة هي تدنيس للنص المقدس حين صنع أسطورته هو؟...
هل هو تمرُّد بشري على نص أو على ماهيَّة الغيب في عرف الرسل والأنبياء؟...
أم هي قصة مسلية لملك مقدَّس نزق بحب النساء والمتع؟...
أم هي لعبة روائية ذكية استطاع هذا الكاتب بعبقريَّته أن يقدم لنا نصاً يشاكس القداسة ويدخل في متاهاتها متمرِّداً هو الآخر على كل القوانين عبر الأزمنة والأمكنة المضطهدة للبشرية على الدوام.