ثمة أفق لإعمار بشري وروبوتي على سطح القمر خلال العقد القادم (بيير كاريل-تاس)


تمثل الإعلانات المتتالية عن دخول الدول والشركات في سباق زمني من أجل الوصول إلى مساحات على القمر خطًّا فارقا في تاريخ البحث العلمي واستكشاف الفضاء، مما يفتح أبوابا أمام الدول التي استعدت بالفعل لتلك المرحلة الجديدة.
أوروبا على القمر
ففي مؤتمر صحفي -عُقد مؤخرا في 20 مايو/أيار الجاري- كشفت وكالة الفضاء الأوروبية عن خطتها الطموحة لتوصيل خطوط الملاحة والأقمار الصناعية حول القمر بحلول عام 2030؛ لتكون متاحة لكل الراغبين في استكشاف القمر.
ولتحقيق هذا الهدف، تقوم وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) بتطوير كوكبة تشتمل -على الأقل- على 3 أقمار صناعية تدور حول القمر، وتوفر خدمات الملاحة (GPS) وخدمات الاتصالات لمستكشفي القمر، كما تخطط لوسائل اتصالات سلكية ولا سلكية عبر إطلاق أسطول كامل من البعثات القمرية خلال هذا العقد، وذلك وفقا لتقرير منشور على موقع بي بي سي (BBC).
ووفقا لخطة وكالة الفضاء الأوروبية، يتوقع أن يتاح النظام الجديد للملاحة للاستخدام بنهاية العقد الحالي، وسيكون ذلك بعد بضع سنوات فقط من الهبوط المتوقع لبرنامج "أرتميس 3" التابع لوكالة ناسا، الذي يهدف إلى إرسال بعثة من رواد الفضاء بالقرب من القطب الجنوبي القمري.



وجود شبكة ملاحة واتصالات لنقل ما تتوصل إليه المركبات من على سطح القمر إلى الأرض سيكون مفتاح استدامة البعثات المستقبلية (إس إس تي إل)


القمر.. القارة الثامنة

وخلال المؤتمر الصحفي، صرح مدير الاتصالات والتطبيقات المتكاملة بوكالة الفضاء الأوروبية إيلودي فياو بأن "وجود شبكة ملاحة واتصالات لنقل ما تتوصل إليه المركبات من على سطح القمر إلى الأرض سيكون مفتاح استدامة البعثات المستقبلية".
مضيفا "يمكنك تخيل أن علماء الفلك قادرين على إقامة مراصد وتلسكوبات على الجانب البعيد من القمر (…)، ومن الممكن أن ينتهي الأمر بعمل مقابلات سكايب على القمر، ومكالمات تواصل افتراضية بين الروبوتات أو البشر.
ومن المتوقع بدء العمل بشكل كامل على الخطة الأوروبية بحلول عام 2023 بعد عرض المشروع على مجلس الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية ليدخل حيز التنفيذ، الذي يستغرق من 5 إلى 6 سنوات.
وتعتقد وكالة الفضاء الأوروبية أن القمر من المقرر أن يصبح وجهة مزدحمة في السنوات المقبلة، حيث ترغب الشركات التجارية والدول من جميع أنحاء العالم في الحصول على نصيب من البعثات إلى القمر.
ووصف الباحثون بالمؤتمر القمر بأنه "القارة الثامنة"، ويعتقد مسؤولو وكالة الفضاء الأوروبية أن الخطة الجديدة -التي أطلق عليها "ضوء القمر"- من شأنها أن تساعد في ازدهار الاقتصاد القمري الناشئ، وتجعله أسهل وأرخص.



مع وجود نظام اتصالات متكامل فإن المركبات القمرية المستقبلية ستحتاج فقط الى جهاز استقبال بسيط (إس إس تي إل)


تحديات الملاحة القمرية

ويطمح المشروع الأوروبي إلى إمداد الأرض بسرعة في نقل البيانات من القمر، وتمنح التكنولوجيا الجديدة فرصا أكبر لنظم التشغيل عن بعد من الأرض، ومن ثم تسهم في وضع مسبار أو تلسكوب على الجانب البعيد من القمر؛ الأمر الذي سيسهم في اكتشاف مساحات أوسع من الفضاء الخارجي.
في الوقت الراهن يوجد بالفعل نظام ملاحة قمرية متوفر، لكن دقة نظام تحديد المواقع العالمي الخاص بذلك في الولايات المتحدة تتراوح بين قدم واحدة و16 قدما (30 سنتيمترا و5 أمتار).
وعلاوة على ذلك، يجب على كل مركبة هبوط في الوضع الحالي أن تحمل نظام ملاحة فرعي يزن 88 رطلا (40 كيلوغراما) يمكنه معالجة البيانات الواردة وقياس المسافة الحقيقية على السطح.
لكن مع وجود نظام اتصالات متكامل من أقمار صناعية للملاحة القمرية، فإن المركبات القمرية المستقبلية ستحتاج فقط إلى جهاز استقبال بسيط من أجل التتبع مع قمر صناعي يدور حول القمر.



هناك سباق زمني عالمي من أجل الوصول إلى مساحات على القمر (تيليسيازيو)

وتزيل سلسلة الأقمار الصناعية حول القمر عقبات أساسية عن النظام الملاحي الحالي، وأهمها التخلص من الوزن والحجم غير الضروريين لمركبات الهبوط، وبالتالي ضمان عمليات الهبوط بسلام في ظل الخطة الجديدة.
بل ويتيح ذلك وزنا إضافيا لحمل أدوات أكثر أهمية خاصة بالعمليات الاستكشافية التي ستقوم بها المركبة، كما تسهم تلك التقنيات في زيادة سرعة سير المركبات على القمر، ومن ثم استكشاف مساحات أوسع بتكلفة أقل. ومن المتوقع أن تتبع وكالة الفضاء الأوروبية نموذجا تجاريا لشراء الأقمار الصناعية، أي أنها ستشتري خدمة من مشغل بدل امتلاك النظام حكوميا.ورغم مرور 50 عاما على آخر بعثة بشرية استطاعت الوصول إلى القمر وانقطاع الرحلات منذ ذلك الحين، فإن العقد القادم يبدو مزدحما ليس برحلات فحسب، بل ثمة أفق لإعمار بشري وروبوتي على سطح القمر.