الزرادشتية نسبة إلى مؤسسها زرادشت، وكانت الديانة الرسمية للإمبراطوريات الميدية والإخمينية والساسانية، وتشهد اليوم رواجا.
تسمية الديانة الزرادشتية نسبة إلى مؤسسها زرادشت
تعد الزرادشتية واحدة من أقدم الديانات في العالم التي ما تزال طقوسها تمارس حتى اليوم في مناطق عديدة، ومنها بعض مناطق كردستان العراق وما حولها.
وجاءت تسمية هذه الديانة نسبة إلى مؤسسها زرادشت، وكانت الديانة الرسمية للإمبراطوريات الميدية والإخمينية والساسانية، وتشهد اليوم رواجا في بعض المناطق الكردية.
المؤمنون بالزرادشتية يقولون إن قبلتهم النار والنور والشمس ولا يعبدون النار بل يقدسونها
بدايات الظهور
نهضة الديانة الزرادشتية بدأت قبل 3759 سنة في جبال زاكروس بكردستان داخل الأراضي الإيرانية، حسب رجل الدين الزرادشتي ثروات قادرؤك، ويضيف أنها "بدأت في قرية قرب مدينة أورمية".
ويبيّن للجزيرة نت أنهم من المجوس لكنهم لا يعبدون النار، ويعبدون إلها واحدا يسمى "أهورامزدا"؛ بمعنى الإله الحكيم، وديانتهم أول ديانة توحيدية، حسب قادرؤك.
ويضيف أنه رغم سقوط الإمبراطورية الساسانية على يد المسلمين قبل أكثر من 1400 سنة، فإن الديانة الزرادشتية بقيت موجودة، وأتباعها يمارسون طقوسهم بصورة سرية، وفي السنوات الأخيرة بدؤوا ممارسة طقوسهم في العلن وبكامل الحرية بعد أن أصدر إقليم كردستان قانون حرية الأديان قبل 6 سنوات.
قادرؤك: بدأنا ممارسة طقوسنا في العلن بعد أن أصدر إقليم كردستان قانون حرية الأديان عام 2015
طقوس
وعن تفاصيل طقوسهم، يقول قادرؤك "لدينا 5 صلوات في اليوم، ولكنها تختلف عن صلاة المسلمين، وقبلتنا النار والنور والشمس، ولكننا لا نعبد النار كما يظن البعض، وإنما هو تقديس، ولدينا صيام 4 أيام كل شهر نمتنع خلالها عن أكل اللحوم فقط، ومجموع أيام الصيام 48 يوما في السنة".
ويضيف أنه لا يوجد إحصاء دقيق حول أعداد أتباع الزرادشتية، لكنه يقدرهم بنحو 300 ألف، مشيرا إلى أن بعض الأكراد اعتنقوا الزرادشتية في السنوات الأخيرة، منوها إلى أنهم لا يعتبرون أنفسهم بديلا لأي ديانة أخرى، "لأنهم يعترفون بكل الأديان، ويحترمونها، ولديهم علاقة قوية مع الجميع، ويريدون التعايش السلمي، لأن رسالة الزرادشتية ضد العنف".
زراري اعتبر أن أكبر تحد للزرادشتية أن الدستور العراقي لا يعترف بها
تحديات
ويتحدث عضو المجلس الأعلى للزرادشتية في كردستان إبراهيم زراري عن تحديات قانونية ودستورية واجتماعية تواجههم؛ فلا يزال الدستور العراقي لا يعترف بالزرادشتية، رغم أن الدليل العراقي لعام 1936 يذكر الزرادشتية باسم المجوسية كأقلية دينية.
ويضيف للجزيرة نت أن إقليم كردستان أصدر قانون رقم 5 عام 2015، وفيه اعتراف بجميع الأديان، وإتاحة الحرية لممارسة الشعائر والطقوس، وهذا شجّع الزرادشتية على حرية الظهور، مضيفا أن القانون بحاجة إلى تفاصيل أكثر.
ويعرب عن معاناة أتباع الديانة الزرادشتية بسبب نظرة المجتمع لهم، ويعزو ذلك إلى "المعلومات المغلوطة التي تشوه دينهم، مثل تعدد الآلهة وعبادة النار وغير ذلك".
وحول بعض تفاصيل ديانتهم، يقول زراري إنه في الزرادشتية لا يجوز زواج الأقارب حتى الدرجة الخامسة، لأن ذلك يورث نقص العقل والجسد، ولا تجد زوجين يلتقيان في الجد الثالث أو الرابع، والزرادشتية ليست دينا تبشيريا، ولها 3 أفكار رئيسية: الفكر الصالح، والكلام الصالح، والعمل الصالح، ويجب الحفاظ على عناصر الطبيعة الأربعة: الماء والهواء والتراب والنار، وهي مقدسة لأنها عناصر الطبيعة وتصب في مصلحة الإنسان نفسه.
وطالب الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بالاعتراف بالديانة الزرادشتية، وضمان تمثيلها، مع تخصيص مقبرة وأماكن ملائمة لتأدية طقوسهم.
ويقدر زراري وجود مليون شخص يدينون بالزرادشتية في العالم، منتشرين في إيران والهند وأميركا وأوروبا وغيرها، وهم من طبقة الأغنياء والمثقفين، ويوجد منتدى عالمي للزرادشتية.
حسن يعتبر أن من أهم آثار أماكن ممارسة الطقوس الزرادشتية طاق كسرى في جنوب بغداد
آثار ومعالم
كانت العراق تحت الإمبراطورية الساسانية وما تزال الآثار والمقابر الزرادشتية القديمة منتشرة في العراق، ولا يوجد اهتمام بها من الجهات المختصة، حسب الدكتور فرهاد عزيز حسن أستاذ اللغات القديمة المساعد.
ويبيّن للجزيرة نت أن من أهم آثار أماكن ممارسة الطقوس الزرادشتية هي "طاق كسرى" في المدائن (جنوبي بغداد)، ودخمة قزقابان في السليمانية، وكهف جارستين في دهوك، وكان طاق كسرى مركز حكم الساسانيين الذين اعتنقوا الديانة الزرادشتية.وفي سياق متصل، يرى زراري أن بغداد كانت موجودة منذ عام 2000 ق.م، وكان اسمها "بوغا" نسبة إلى أحد الآلهة، وكانت في بغداد أكبر جامعة عام 200 ق.م، وكانت تحوي كل المخطوطات والكتب والمقالات الزرادشتية، قبل أن تصبح عربية في عهد عبد الملك بن مروان، وكانت المدينة تضم العديد من "الهورمزكا"، وهي أماكن شبيهة بالمعابد، وآخرها هُدم في شارع الرشيد نهاية الخمسينيات.
الزرادشتية واحدة من أقدم الديانات في العالم
الإرث ديني
من جانبها، تقول ممثلة الديانة الزرادشتية في أوقاف أقليم كردستان العراق إوات حسام الدين طيّب إن لديهم الهيئة العليا للزرادشتيين في كردستان، و4 منظمات زرادشتية، ومعبدين؛ يوجد واحد في أربيل والآخر في السليمانية.
وتوضح للجزيرة نت أن الزرادشتيين متطوعون ومستقلون ولا يتسلمون أية مساعدة من حكومة إقليم كردستان، ولم يحصلون على أية تسهيلات من وزارة الأوقاف في حكومة الإقليم من أجل بناء معابد تليق بالإرث الديني الزرادشتي، بسبب الأزمات الاقتصادية والمالية.
وتلفت إوات إلى وجود عشرات المعابد القديمة للديانة الزرادشتية، وآثارها باقية وتنتشر في محافظات كردستان (دهوك وأربيل والسليمانية وحلبجة)، وأبرزها معبد دربندخان الذي يحتاج إلى ترميمات، وهو يعود إلى أكثر من 1400 سنة.
طقوس الزرادشتية تمارس في مناطق عدة من كردستان العراق
عودة الظهور
ويعتقد مؤسس المركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهية في العراق الدكتور سعد سلوم أن الزرادشتية عادت بشكل علني في إقليم كردستان قبل أعوام مع إحياء أعيادهم، والمطالبة ببناء معابد لهم لأداء الطقوس الدينية، والسعي لإحياء عدد من المعابد المندثرة وإعادتها، والمطالبة بالاعتراف بهم رسميا.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى سلوم أنه رغم كل هذه الفعاليات والمظاهر، فلم يصل الاعتراف بالزرادشتية إلى مستوى رسمي كديانة لها ممثلوها الدينيون، إذ إن مجرد ذكر الزرادشتيين كأحد المكونات الدينية والطائفية في قانون حماية المكونات لا يترتب على ذلك قبول مساو لبقية الأديان.
وشدد على أن تأسيس معهد دراسات التنوع الديني -وهو أول معهد في الشرق الأوسط يدرس الديانة الزرادشتية- يعد نوعا من أنواع الاعتراف بهذا الدين وأهميته على صعيد التعريف به لدى ممثلي المؤسسات الدينية التقليدية.
سلوم -الذي قام بتأليف 18 كتابا عن التنوع الديني والإثني في العراق- اعتبر أن رجوع الزرادشتية مفارقة كبيرة؛ فقد كانت ديانة سائدة قبل أن يعرف الشرق الأوسط أديانه الثلاثة التي انتشرت عالميا؛ اليهودية، والمسيحية، والإسلام.