كان وقع هزيمة يونيو/حزيران 1967 شديدا على فاتن حمامة وزاد ألمها بعدُها عن أهلها ووطنها
فاتن حمامة اكتشفت حبها للتمثيل في سن الرابعة (الفرنسية)
في الوقت الذي كانت تمر فيه "سيدة الشاشة العربية" فاتن حمامة بأزمة نفسية عسيرة في منتصف الستينيات، بعد انفصالها عن زوجها عمر الشريف، فوجئت بزيارة ضابط مخابرات مصري ليعطيها كتبا عن التخابر، مما جعلها تدرك أن الدور قد حان عليها لتلعب الدور الذي فرض على غيرها من فنانات السينما المصرية من أجل التخابر لصالح المخابرات المصرية.
تقول حمامة "كان تهديدا مباشرا تقريبا، طلب مني التعاون، فسألته: كيف؟ فقال: أبدا، فقط اقرئي هذه الكتب. ومضى، وقرأت أحد الكتب ولم أنم؛ أسبوع لم يغمض لي جفن، وكرهت النظام كله، وسافرت، ولم أعد إلى مصر إلا عام 1971 بعد وفاة عبد الناصر".
وخلال حوارها مع مجلة المصور -الذي نشر عام 1991- أكدت حمامة أنها كانت من مؤيدي ثورة يوليو/تموز 1952، لكنها لم تلبث أن بدأت تشعر بأن جمال عبد الناصر كان "مخادعا" عندما حدد ملكية الأراضي بـ200 فدان، وصارت 100 فدان بعدها بعام، ثم انتابها القلق وهي ترى الناس يؤخذون من بيوتهم للسجن، ولم تكن تستطيع السفر خارج البلاد إلا بموافقة أمنية.
تقول فاتن حمامة عن عصر عبد الناصر "صار الحكم قاسيًا وكرهت الظلم لبعض الوطنيين، عبد الناصر كان رئيسًا وطنيًا وأمينًا لم يسرق البلد، ولكن نظامه كان قاسيًا في فترات كثيرة".
فاتن حمامة قررت الفرار إلى بيروت في الستينيات خوفا على نفسها وأسرتها (الفرنسية)
الهروب
لم يكن هناك حل سوى الهروب من مصر، خاصة أنها كانت كغيرها تواجه رقابة صارمة على السفر خارج البلاد لحضور المهرجانات الفنية، فقررت الفرار إلى بيروت خوفا على أسرتها ونفسها، واحتراما لقيمتها بوصفها "سيدة الشاشة العربية"، وخشية أن تقع في الفخ نفسه الذي وقعت فيه فنانات أخريات، وبالفعل نجحت في السفر بعد موافقة زكريا محيي الدين رئيس وزراء مصر.
كان وقع هزيمة يونيو/حزيران 1967 شديدا على فاتن حمامة، وزاد ألمَها بُعدها عن أهلها ووطنها، حيث تقول -متذكرة مشاعرها في تلك الأيام العصيبة- "لا أستطيع أن أحكى مشاعري؛ فالحزن والانكسار وحجم الدمار الذي لحق بأنفسنا بلا حدود، لقد أصبت بالذهول، لم أصدق ما حدث، شعرت بأنني لم أعد أنا، كل شيء تحطم في داخلي، تحطم كبريائي واهتزت ثقتي في كل شيء".
وعقب "نكسة 1967″، وما جرى بعدها من محاكمات شملت قضية انحراف المخابرات الشهيرة، التي حوكم فيها مدير المخابرات صلاح نصر؛ طلب جمال عبد الناصر من أحد كبار مساعديه أن يبلغ فاتن حمامة بضرورة العودة لوطنها، لأنها "ثروة قومية" كما وصفها، لكنها رفضت بشدة.
لم تعد فاتن حمامة لمصر إلا عام 1971 وجمعتها علاقة صداقة مع السيدة جيهان السادات (الفرنسية)
العودة
لم تعد فاتن حمامة لمصر إلا عام 1971، وجمعتها علاقة صداقة مع السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، وتحرص حمامة على حضور المناسبات الاجتماعية التي تجمعها مع زوجة الرئيس، أو إلقاء الشعر أمام السادات نفسه، الذي منحها وساما جمهوريا رفيعا عام 1976.
ممثلة منذ الصغر
سيدة الشاشة العربية المولودة -في مثل هذا اليوم 27 مايو/أيار 1931- تقول إنها اكتشفت حبها للتمثيل في سن الرابعة، حين كانت تقوم بالتمثيل وحدها في غرفتها، ثم بدأت مسيرتها في عالم السينما وهي طفلة، حين اختارها المخرج محمد كريم للتمثيل أمام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في فيلم "يوم سعيد" عام 1940، لتبدأ مسيرتها الطويلة التي امتدت خلال عقود متتالية في السينما المصرية.
وخلال الخمسينيات، العصر الذهبي للسينما المصرية، قدمت مجموعة من أروع أفلامها، مثل دورها في فيلم "لك يوم يا ظالم" (1952) مع المخرج صلاح أبو سيف، وفيلمي "بابا أمين" و"صراع في الوادي" مع يوسف شاهين، ثم بطولتها لفيلم "دعاء الكروان" مع المخرج هنري بركات عام 1959، الذي يعد أحد أهم أدوارها إن لم يكن الأهم على الإطلاق.
لم تجد حمامة غضاضة في لعب دور الأم بعد أن كانت فتاة الشاشة لسنوات وسنوات، فقدمت دور الأم المكافحة من أجل تربية أولادها في "إمبراطورية ميم" (1972)، وقدمت قضية اجتماعية وقانونية مهمة في فيلم "أريد حلا"، وقدمت الأرملة التي تواجه أعباء عصر الانفتاح في "يوم مُر ويوم حلو".
الدراما التلفزيونية
وتركت حمامة بصماتها أيضا في الدراما التلفزيونية، فقدمت دور مديرة المدرسة في مسلسل "ضمير أبلة حكمت" مع الكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرجة إنعام محمد علي عام 1991، ومسلسل "وجه القمر" في بداية الألفية الثانية، الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة لعودة فاتن حمامة للشاشة الصغيرة بعد غياب طويل.
وفي 17 يناير/كانون الثاني 2015، تعرضت فاتن حمامة لوعكة صحية شديدة، لتفارق الحياة عن عمر 83 عاما بعد مسيرة حافلة امتدت 70 عاما، جعلتها من أهم فنانات السينما العربية.