ابتكر فريق من العلماء الألمان تقنية تسمح بقياس نسب تركيز مادة الليثيوم في مخ الإنسان. وقام الباحثون باختبار التقنية، التي تعد الأولى من نوعها، لقياس مستويات الليثيوم في أنسجة مخ ثلاثة أشخاص متوفين، أحدهم قضى منتحرا.
وبحسب ما نشره موقع New Atlas، اكتشف الباحثون بالفعل وجود اختلافات في نسب تركيز الليثيوم في المخ بما يثبت وجود علاقة بين مستويات الليثيوم والصحة العقلية للإنسان.
ويعد الليثيوم الفلز الأقلّ كثافة بين العناصر الكيميائيّة الصلبة، ولا يوجد في الطبيعة بصورته الحرة، لذا يحفظ عادةً في وسط من زيت معدني.
كما يدخل الليثيوم كمكون حيوي في صناعة بطاريات ليثيوم-أيون القابلة لإعادة الشحن. ويوجد بآثار قليلة على شكل أملاح في المياه المعدنيّة وكذلك في جسم الإنسان. ويتم استخدام بعض أملاح الليثيوم مثل الكربونات في المجالات الطبية، كعلاج لاضطرابات نفسانية مثل الجنون والاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب.
وعلى الرغم من فوائده المثبتة في تحقيق استقرار للحالة المزاجية، إلا أنه يمكن أن يصبح سامًا بسرعة إذا تم تناوله بجرعات عالية.
معدلات انتحار أقل
وسبق أن توصلت بعض الدراسات العملية إلى أن بعض المجتمعات العمرانية، التي تحتوي على مستويات طبيعية عالية من الليثيوم في إمدادات المياه تتميز بانخفاض معدلات الانتحار والخرف والجرائم العنيفة، وهو الأمر الذي دفع بعض العلماء إلى اقتراح فكرة إضافة كميات ضئيلة من الليثيوم إلى إمدادات المياه بهدف تحسين الصحة النفسانية في المجتمعات.
وعلى الرغم من أنه ما زالت كيفية عمل الليثيوم في الدماغ غير معروفة بالضبط، فإن أحد أهم التحديات، التي كانت تواجه العلماء، هي عدم القدرة على قياس توزيع الليثيوم في دماغ الإنسان بشكل فعال، خاصة أن تركيزات الليثيوم الطبيعية في دماغ الإنسان تعد ضئيلة للغاية ولم يسبق التوصل إلى طريقة لقياسها.
تقنية الصدفة
ولكن نجح العلماء الألمان في ابتكار تقنية جديدة، تسمى اختصارًا NIK وتعني صدفة يتسبب النيوترون في حدوثها، والتي تتم عن طريق إغراق شريحة رقيقة من أنسجة مخ بشري لشخص متوفى بالنيوترونات.
وقال رومان غيرنهاوزر، من قسم الفيزياء في الجامعة التقنية في ميونيخ، إن "أحد نظائر الليثيوم الجيد بشكل خاص يقوم بالتقاط النيوترونات؛ ثم يتحلل إلى ذرة الهيليوم وذرة التريتيوم"، ويمكن لأجهزة الكشف بعد ذلك قياس النتائج وتوفير بيانات دقيقة عن تركيزات الليثيوم في عينة معينة.
صورة ثلاثية الأبعاد
كما قام الباحثون بجمع عينات من الأنسجة بعد الوفاة من 150 موقعا مختلفا في دماغ واحد، مما سمح لهم بتكوين صورة كاملة ثلاثية الأبعاد لتوزيع وتركيز الليثيوم في دماغ الإنسان.
ويشير غوتا شوبفر، باحث مشارك في الدراسة، إلى أنه " لم يكن من الممكن في السابق اكتشاف مثل هذه الآثار الصغيرة لليثيوم في الدماغ ولكن تم حل المشكلة" من خلال التقنية التي توظف النيوترونات.
بين المادة البيضاء والرمادية
إلى ذلك، قام فريق العلماء بعمل مقارنة بين عينات أنسجة المخ لثلاثة أشخاص، مات أحدهم منتحرًا، بينما توفي الآخران لأسباب طبيعية، لتحديد الفارق بين نسب تركيز الليثيوم في المادة البيضاء والرمادية لدى الشخص المنتحر والعادي.
ويوضح غيرنهاوزر: "تم ملاحظة أن نسبة الليثيوم الموجودة في المادة البيضاء للشخص السليم (العادي) أكبر بكثير من تلك الموجودة في المادة الرمادية. وعلى النقيض، كان للمريض، الذي توفي منتحرًا، توزيعًا متوازنًا في المادتين البيضاء والرمادية."
لأول مرة
وترجح نتائج الدراسة أن تركيزات الليثيوم في المادة البيضاء مرتبطة بتأثيرات على مدى استقرار الحالة المزاجية. وتثبت هذه النتائج أيضًا صحة الدراسات، التي أجريت على الحيوانات سابقًا، والتي وجدت أن مكملات الليثيوم تزيد من تركيزات الدماغ بشكل أساسي في المادة البيضاء.
ويقول شويفر إن "نتائج الدراسة رائدة، إلى حد ما، لأنه تم التمكن لأول مرة من التأكد من توزيع الليثيوم في ظل الظروف الفسيولوجية، والذي سيمنح القدرة على التأكد من تتبع كميات العنصر في الدماغ، قبل البدء في إعطاء الدواء للمرضى."
وعلى الرغم من أنه لم يتضح بعد كيف يؤثر الليثيوم على التمثيل الغذائي أو الحالة المزاجية، لكن من الجلي بشكل متزايد أنه يلعب دورًا مهمًا. لا يمكن استخدام تقنية القياس الجديدة هذه إلا في عينات أنسجة المخ بعد الوفاة، لكن الباحثين مهتمون بإجراء المزيد من التجارب على مجموعات أكبر من المرضى المتوفين.