كثيرا ما قادتنا عمليةُ البحث عن كتاب على الشبكة العنكبوتية إلى موقع الكتب الشهير goodreadr، فنؤجل البحث قليلا ونستغرق في قراءة تعليقات القرّاء على الكتب المختلفة ونحاول فهم تقييماتهم النجمية لها، وللحق فإن بعض التعليقات يصل إلى مستوى المقال النقدي أو العرض الذي لا يخلو من الدقة للكتاب، وهو الأقل شيوعاً بين التعليقات، لكن البعض الآخر، وهو الأكثر الأعم، يصيب قارئه بالدهشة لغرابته ولا منطقية ما يعبر عنه من أفكار،
ومن الطبيعي أن يبدو التضارب واضحاً بين التعليقات، إذ يرتفع أحدها بالكتاب إلى مصاف الإبداع غير المسبوق، وينزل به تعليق آخر مجاور إلى أسفل سافلين!، عندها نحدث أنفسنا عن ديمقراطية الرأي التي أشاعتها شبكة التواصل، ولطالما قبلنا أن نكون جزءاً من عالم الشبكة العنكبوتية العظيم (ومن يستطيع الإفلات؟!)، فلا سبيل أمامنا إلا القبول بما يستجد من ممارسات وأخلاقيات ونظم وسياسات جعلت تراتبية عالم التأليف شيئاً من الماضي، ولا مجال للاحتكام إلى قوانين ما قبل الشبكة في القراءة وتداول الكتاب لفهم الظواهر
الجديدة.
وإذا دققنا النظر في تعليقات القرّاء وتقييماتهم، سيواجهنا غياب المعيار الذي تكتب بموجبه التعليقات وتنتج التقييمات، بل إن الكثير من التعليقات تتجاوز فاعلية القراءة لتقفز إلى الأحكام التي غالبا ما تكون مطلقةً متطرفة في ضديتها، وكثيراً ما تساءل أصحابها عن طبيعة النوع الذي ألف في إطاره الكتاب، بما يُفصح عن ضبابية الأفق بين القارئ وما يقرأ، لينتج في النهاية نوع غريب من الأحكام التي لم تبنَ على معرفة مهما كانت أوليةً، بالكتابة وشؤونها، مما يجرّد التعليق من كونه خلاصةَ تجربة قرائية واعية تقود إلى إنتاج نوع من الدليل العام يقف إلى جوار المهمة النقدية، ويقود إلى تحقيق فاعلية اتصال مبتكرة بين مؤلف الكتاب وقرّائه مهما بعدت بينهم
المسافات.
لكن الجانب السلبي في الموضوع هو القفز على القراءة نفسها بوصفها نشاطاً معرفياً يوصل إلى الفهم والإدراك يُبنى على مستويات أولها القراءة العامة وآخرها القراءة المنتجة، إن ما تؤدي إليه ديمقراطية المشاركة بصيغتها العامة على الشبكة العنكبوتية هو القفز على مستويات القراءة التي تؤدي بالضرورة إلى غياب الفهم وتشوش الإدراك، فإن القراءة التي لا تتأسس على مقدماتها الصحيحة لن تقود إلى إنتاج تصوّر منطقي ومعقول، وذلك ما تؤديه الكثير من التعليقات وهي توهم أصحابها بأنهم ينجزون قراءة منتجة تستحق التثبيت في خانة التعليقات، من دون أن تتضمن من أدوات القراءة ما ينظم حضورها في فضاء التواصل الواسع، إنها عندئذ لا تكون أكثر من إشارة ملتبسة في فضاء مليء بالإشارات، وذلك بجملة أمبرتو إيكو بعض {المخاطر الكامنة في
الانترنت}.