والنص الشعري (كن بعض نارك) الذي نسجت عوالمه أنامل الشاعر منذر عبد الحر.. ونشرته الصفحة الثقافية لمجلة الشرارة عدد 141 لسنة 2021.. كونه فعلا فنيا يتناول الواقع باقتناص لحظاته ونسجها بالخيال (مبدع الصورة) على حد تعبير باشلار.. بلغة تسعى الى تجاوز المألوف مع تعدد الرؤى واشتغالات الوعي الشعري الخالق لنص يستفز الذاكرة بصوره الحاضنة لمحتوى فكري تتداخل فيه الدلالة البصرية والادراكية.. كون الصورة image هي المحتوى الفكري الذي تتداخل فيه الدلالة البصرية والادراك والتلقي.. فضلا عن أنها المقياس الذي تتبلور فيه شعرية النص.. فضلا عن اعتماد زاوية رؤية مركزة على اللحظة باعتماد التكثيف والاختزال والمجاز والاستعارة بلغة تشكل علاقتها والنص جدليا وهي تصنع شعريته في نسج رومانسي جاذب عبر علاقة تجسيدية كاشفة عن الكوامن السيكولوجية والشعورية والذهنية التي يحققها منتج واعٍ برؤية متجاوزة للواقع الشيئي بأشيائه.. ابتداء من العنوان النص الموازي paratexte والمفتاح الاجرائي الذي يتعامل مع المتن ببعديه الدلالي والرمزي.. فضلا عن أنه الايقونة السيميائية الموحية بفونيماتها التي هي (مجموعة من الدلائل اللسانية) على حد تعبير ليو هوك.. التي ميزها الايجاز التعبيري والانزياح اللغوي: (كن بعضَ نارك/ أو صليبك/ في نهارك كن.. شمعةً في ليلة/ شهقت بها الكلمات وانطفأت/ لتسهم في حصارك/ كن شتلة/ تترقب القطرات/ تأتي من حطام سحابة/ رقدت على باب انبهارك/ كن شدو ناي/ أو قصيدة عاشق/ أو حزن موّال/ تشبث بانهيارك).
فالنص ينطوي على أفقين دلاليين مقترنين مع بعضهما: اولهما افق التجربة الذي يتجه الى الحث الآمر بـ(كن) والتوكيد بها بحكم التكرار بصياغة تصويرية تركز على تتابع الصور بدرامية مشهدية.. وثانيهما افق التوقع باعتماد لغة نابضة بالحياة.. قادرة على الاداء التعبيري والتصويري من جهة.. واعتماد السردية الشعرية الموجزة العبارة من اجل الارتقاء بالنص من جهة أخرى.. فضلا عن أنه يقوم على تقنيات فنية وأسلوبية انحصرت في تكثيف العبارة وعمق المعنى مع جنوح الى التركيز والتعبير عن اللحظة عبر واقعية الحدث بلغة المجاز والاستعارة التي تحيل الى أجواء الرمز الذي هو (تعبير عن عمق الفكرة وازدواج المعنى).. وهناك تقنية التنقيط.. الكتابة البصرية الدالة على المحذوف من القول بقصدية الشاعر التي تستدعي المستهلك لملء فراغاته: (كن/ طائرا مرحا يحطم/ ما تبقى من جدارك/ لا تبقِ حسرتك الأسيرة شاهدا/ كي لا يحج إليك/ من يرنو/ إلى طيف اعتذارك/ علق جنونك في احتضارك/ ماذا جنيتَ من انتظارك/ الموت شطآنُ عليها غفت/ منسية فيها شجونُ قرارك).
فالنص تعبير جمالي منولوجي مكتنز بالوعي لإدراك ما يحققه من موقف انساني وليد الرؤية الموضوعية ازاء حركة الوجود.. والغوص في اعماق اللحظة الشعورية المتدفقة.. المكتظة بالمتناقضات التي تعكس الصراع النفسي الذي يتولد في الذات الانسانية مما يبلور الوعي ويكشف عن شعرية قادرة على صهر عناصرها وتشكيلها تشكيلا متجانسا ناميا نمو الحدث.. القائم على درامية فنية مع تخصيب المعنى وتكثيفه عن طريق الاختزال والحذف الاضمار: (كنْ موجةً هربت/ لنيلِ جزيرة/ قد هاج نحسٌ في بحارك/ لا تلقَ أسطولا تمرّغ تائها/ عد غانماً للظى فنارك/ كنْ ألف باء الريح/ تأخذها وتذوي في فرارك/ كن سيّد الغرباء./ حيرتهم أسىً../ وصدى هواهم خلف نارك).
فالبنية الشعرية للنص تتأرجح ما بين ايقاعين مرتبطين ببعضها: اولهما ايقاع خارجي تمثل في شكل النص ونظام القافية الموحدة التي كشفت عن بنيته العمودية.. (نارك/ نهارك/ حصارك/ انبهارك..).. وثانيهما ايقاع داخلي اضفى على النص موسقة مضافة جاذبة، والذي تجلى في التكرار اللفظي والتوازي.. فضلا عن اعتماد منتجه تقنية الانزياح اللغوي والثنائيات الضدية التي تكشف عن عمق التجربة وبراعة التصوير وسعة الخيال محققا وظيفة النص الانفعالية والجمالية والانعكاسية.