صواريخ تنفجر في قلوبهن.. أمهات يروين حكايات جحيم الحرب على غزة
لحظة قصف برج الجلاء الذي كان يضم مكتب قناة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس
"الصواريخ التي سمع دويها خلال الحرب كانت تنفجر في قلبي خوفا وقلقا" بهذه الكلمات اختصرت الأمهات حالة الخوف والقلق على أبنائهن العاملين خلال الحرب، شعرن بأن الحرب قائمة في قلوبهن، فلم يهدأ لهن بال ولم يتوقف لهن فكر، قلوبهن أرسلت العديد من الدعوات والأمنيات لتحيطهم برعاية الله وحفظه.
خلال الحرب على غزة كان للصحفيين دور كبير في نقل الأحداث بشكل متتال وسريع للعالم، لكن لا أحد يعلم حالة التوتر الشديد التي تعيشها أمهاتهم مع كل خبر ينقل على شاشات التلفاز.
مشهد لمنازل مدمرة بالكامل وسط مدينة غزة
فوتوغرافي في الميدان
مها أبو لطيفة (56 عاما) -من بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس، والدة المصور الشاب سند أبو لطيفة (25 عاما) الذي يعمل مصورا فوتوغرافيا حرا لعدة وكالات، وكان في الميدان منذ اللحظة الأولى للحرب- قالت إنها استنزفت ما لديها من طاقة بين التشريد من منزلها وبين ابنها الذي يعمل تحت نيران صواريخ الاحتلال.
تقول للجزيرة نت "غادر سند المنزل إلى مدينة غزة في أول أيام الحرب، لم أكن أريده أن يذهب ولكنه خرج من أجل عمله واستودعته عند الله أن يعود لي سالما، لم نبق في منزلنا خلال الحرب لأنه تعرض لقذائف الدبابات والصواريخ، وكان خطرا على عائلتي".
المصور سند أبو لطيفة (يرتدي الأسود) خلال الحرب
ولكن قلقها الأكبر كان على ابنها عندما كانت تتحدث الأخبار عن استهدافات للأبراج، تبكي بحرقة خوفا أن يكون موجودا في المكان، وهكذا كانت تتسارع نبضات قلبها وتنفجر به أصوات الصواريخ قلقا مع كل خبر لاستهداف مكان يوجد فيه الصحفيون، تقول بحرقة.
وتضيف "كنت أتابع قصصه على حسابه في إنستغرام، وهذا ما كان يطمئن قلبي كثيرا، أراه يضيف قصصا طوال الوقت، وأقول إنه موجود وبخير، عندما يغيب ساعات طويلة أقلق وأنتظر المساء حتى يضيف شيئا أو يرسل لي رسالة ليطمئنني عليه، لم أشعر بالراحة طوال أيام الحرب".
سند أبو لطيفة خلال عمله قبل الحرب على غزة
خلال الحرب الأخيرة على غزة استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي أبراجا فيها مكاتب إعلامية محلية ودولية، من بينها برج الشروق، وبرج الجلاء الذي يوجد فيه مكتب الجزيرة ومكتب وكالة أسوشيتد برس الأميركية، بالإضافة إلى استشهاد الصحفية ريما السعد والمذيع الذي يعمل لدى إذاعة الأقصى يوسف أبو حسين خلال استهداف منزليهما بشكل مباشر.
العديد من الأطفال أصيبوا خلال القصف الإسرائيلي على غزة
ممرضة ودوام ليلي في الحرب
لم تهدأ أيضا الطواقم الطبية خلال الحرب في استقبال الجرحى والشهداء طوال الوقت بسبب استهداف طائرات الاحتلال المتواصل لمختلف المناطق في قطاع غزة من شمالها حتى جنوبها، ملائكة رحمة كانت تركض نحو المصاب محاولة تخفيف إصابته وإنقاذ حياته.
سلمى خالد (28 عاما) ممرضة تعمل في مستشفى الشفاء الطبي، لم تعد إلى منزلها خلال الحرب إلا مرة واحدة، متزوجة ولديها طفلان تركتهما عند والدتها لترعاهما في غيابها.
تقول فايزة أسعد (65 عاما) -والدة سلمى- إنها اعتبرت نفسها تجاهد في هذه الحرب بين رعايتها للطفلين اللذين يسألان عن أمهما طوال الوقت، وبين قلقها على ابنتها التي غابت أكثر من أسبوع ونصف عن بيتها.
طفلة رضيعة أصيبت خلال الحرب على غزة
تقول الأم للجزيرة نت "أوقات صعبة عشناها لا تنسى، صادف دوام سلمى الليلي في الليلة الأولى من الحرب على غزة وانتظرت أن تعود بعد يومين، لكنها استمرت طوال أيام الحرب، عندما أكلمها لكي أطمئن عليها تبكي بحرقة على الجرحى وأعداد الإصابات الهائلة، وتقول لي "أحاول أن أكون المعالج والأم لبعض الأطفال الذي يأتون بدون أمهاتهم، أحاول أن أهدئ من روعهم، وبذات الوقت أتذكر طفليّ وأبكي بحرقة عليهما".
وتضيف الأم "قد يكون الأمر مطمئنا أن ابنتي تعمل بالمستشفى الذي ربما لا يتم استهدافه، لكن هذا محتل نتوقع منه أي تصرف غير إنساني، عندما أطلب منها أن تعود لبيتها أعود لأتراجع عن طلبي خوفا أن تكون قريبة من مكان فيه قصف أو تنتقل بسيارة تستهدف بشكل عشوائي".
رضيع أصيب في الحرب الأخيرة على غزة
الحرب كابوس مؤلم عاش خلالها أهل قطاع غزة لحظات مروعة "لا تزال ابنتي تعيش بقلق، وحالتها النفسية متعبة جدا من المشاهد التي رأتها خلال عملها، وتتذكر باستمرار قصص كل جريح وشهيد وتقول لي ما زالت دموع الأطفال في مخيلتي وأصواتهم ترافقني طول الوقت"، كما تحكي الأم بوجع.
استقبلت المستشفيات خلال الحرب على غزة أكثر من 1700 جريح و242 شهيدا، وشهدت أقسام المستشفيات العديد من الآلام وصرخات الحزن والقهر لهؤلاء الجرحى وذوي الشهداء التي سببتها الطائرات الإسرائيلية بقصفها العشوائي لمنازل المواطنين المدنيين.
رجال الدفاع المدني خلال إخراج عدد من الجرحى من تحت الأنقاض
رجل دفاع مدني ألغى إجازته
نعيمة منصور (59 عاما) -من مخيم البريج وسط قطاع غزة- يعمل ابنها موسى منصور (26 عاما) في الدفاع المدني، خرج في يوم إجازته ليقوم بواجبه المهني خلال أيام الحرب، تقول والدته للجزيرة نت "كان موسى معنا في المنزل وفجأة سمع أنه يوجد قصف في مدينة غزة، نهض من مكانه مسرعا وارتدى ملابس عمله وقال لي: دعواتك يا أمي، اعتقدت في البداية أنه قصف لليلة واحدة وسينتهي، لكن غيابه طال عدة أيام ولم يتصل بي أبدا".
رجال الدفاع المدني خلال البحث المستمر رغم الإمكانيات البسيطة
وتواصل الأم "ازداد قلقي عليه بعد مجزرة شارع الوحدة في غزة والفيديو الذي انتشر لرجل دفاع مدني انهار من مشاهد المجزرة، أرسلت له رسالة ليطمئنني عليه، فرد علي بكلمات حزينة جدا يخبرني أنه رأى مشاهد تؤلم القلب بشدة، ورائحته تفوح بدماء الجرحى والشهداء".
وعندما لم يكن يرد على هاتفه كانت تتواصل مع زملائه كي تطمئن عليه، لكن ذلك لم يكفيها ولا يبرد نار قلبها، وبعد إلحاح مستمر منها بالاتصال عليه يرد على هاتفه، ويخبرها بأنه ينام في الشارع من شدة التعب، وخلال نومه يصرخ بصوت عال لرؤيته في منامه جرحى فاقدين لأطرافهم عالقين أسفل الركام.
أحد عناصر الدفاع المدني خلال بحثه عن ضحايا المجازر الإسرائيلية في غزة
وتختتم بقولها "أنا عشت معه لحظات طويلة من الخوف والقلق والتعب، كنت أتمنى أن يكون ذلك كابوسا وينتهي، لكنه للأسف كان حقيقة استمرت 11 يوما".