لم تغِب القضية الفلسطينية عن حياة العراقيين ووجدانهم ولا عن الفن العراقي (رويترز)
لم تغب القضية الفلسطينية عن العراقيين ووجدانهم، وانعكس ذلك بوضوح على الفن العراقي من خلال الأغاني وبعض الأعمال الدرامية والرسم والمجالات الفنية الأخرى.
ومن أبرز تلك الأعمال مسلسل (مناوي باشا) الذي أنتج عام 2000، ويتحدث عن قصة متطوعين عراقيين شاركوا في حرب فلسطين فترة الانتداب البريطاني على العراق، وعشرات الأغاني والأناشيد التي تتضامن مع القدس والمسجد الأقصى، ومنها أغنية (فلسطين عزيزة أنتِ علينا وما ترخصين)، التي ما تزال محفورة في ذاكرة الأجيال.
العزاوي: مناصرة الفن العراقي للقضية الفلسطينية برزت في ستينيات القرن الماضي
بدايات النكبة
علاقة العراق بالقضية الفلسطينية ترجع إلى أيام النكبة عام 1948، وهي علاقة سياسية اجتماعية شعبية، لكن الأعمال الفنية كانت قليلة ويوجد تقصير فني آنذاك، بحسب الفنان العراقي عمر العزاوي.
ويبين للجزيرة نت أن مناصرة الفن العراقي للقضية الفلسطينية بدأت تبرز في ستينيات القرن الماضي، عندما انعقد مهرجان الشعراء والفنانين العرب في بغداد وغنى فيه محمد القبانجي لفلسطين، وكانت عنوان الأغنية "الملك لله والحب للأوطان" في تضامن مع القضية الفلسطينية.
ويرى أن فترة السبعينيات وما بعدها شهدت قمة دعم الفن العراقي للقضية الفلسطينية بسبب التوجه القومي العربي للدولة العراقية في ذلك الوقت، وبالتالي هذا النوع من الحكم انعكس على الشعب العراقي بكل مفاصله، ومن ضمنها المفاصل الثقافية والفنية.
ويشير العزاوي إلى أن أغلب الفنانين في تلك الفترة تغنوا بفلسطين والقدس، ومن أبرز من تغنى بالقضية الفلسطينية سعدون جابر وياس خضر وكريم منصور وحميد منصور وغيرهم من فناني ذلك الجيل.
ويعرب عن اعتقاده بأن التغني بفلسطين كان بين أوساط المدّاحين والمنشدين في المساجد أكثر من قراء المقام، وذلك بسبب الارتباط الكبير بين القضية الفلسطينية والدين، على حد قوله.
يونس: تغنى العراقيون كثيرا بفلسطين خاصة وقت الانتفاضتين الأولى والثانية
إنشاد وغناء ومهرجانات
ويقول المنشد زيد يونس إن الفنان العراقي كان حاضرا في ساحة نضال الفلسطينيين، مع كل مواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتغنى العراقيون كثيرا بالقضية الفلسطينية، ولا سيما وقت الانتفاضتين، الأولى عام 1987 والثانية عام 2000.
ويضيف للجزيرة نت أن المهرجانات الغنائية والإنشادية كانت تنطلق، في العاصمة بغداد ومدينة الموصل (شمال) وغيرهما، لتساند الفلسطينيين وتناغم الانتفاضتين الأولى والثانية.
ويستذكر يونس كيف كان والده يصطحبه عندما كان طفلا إلى مهرجان الأقصى الذي أُقيم في جامعة الموصل، نصرة للانتفاضة الثانية الكبرى في فلسطين قبل 21 عاما، وجمعت فرقا من كافة أنحاء البلاد، وصدر عن المهرجان ألبوم إنشادي حمل اسم الأقصى.
وأشار المنشد العراقي إلى أشهر أعمال الفنان الكبير كاظم الساهر، عندما دعا جمهوره خلال مهرجان الدوحة عام 2002 إلى وقفة إجلال للشهداء الفلسطينيين، وغنى "يا قدس يا مدينة السماء، آراكِ في ثوب من الدماء".
أشكال الدعم
بدوره، يشيد نقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي، بالفنان العراقي الذي يقف بالصدارة مناصرا وداعما للقضية الفلسطينية، سواء كانت الأعمال الفنية في الفنون التشكيلية عبر الرسم والنحت والخزف، أو في الفنون الموسيقية والغناء، فضلا عن الفنون المسرحية والتلفزيونية والسينمائية والإذاعية، وجميع أنواع الفنون العراقية دائما ما تقدم الدعم لنصرة القضية الفلسطينية.
ويوضح للجزيرة نت أن مشاركات ومساهمات الفنان العراقي في نصرة القضية الفلسطينية بالتعبير الفني تنوعت بين إقامة المعارض الفنية، أو عن طريق التعبير الحر المباشر، لأن الفنان العراقي يتفاعل مع القضايا المصيرية بشكل جاد ومحترم، وكان رسامو الكاريكاتير في الطليعة لإنصاف الشعب الفلسطيني ومعاناته من الاحتلال الإسرائيلي.
جودي أشاد بدور الفنان الذي يقف بالصدارة لدعم القضية الفلسطينية
وينوه جودي إلى أن الكثير من الفنانين العراقيين تغنوا بفلسطين، وهناك الكثير من العازفين العراقيين منهم كريم وصفي ونصير شمة وسامي النسيم ومحمد العطار وأحمد المختار ومصطفى زاير، وغيرهم الكثير من الفنانين الذين عزفوا على مختلف الآلات تضامنا مع القضية الفلسطينية.
وفي المجال الدرامي يؤكد نقيب الفنانين أن القضية الفلسطينية كانت هاجسا يتكرر في أعمال المسرح والدراما والتلفزيون والإذاعة، ودائما ما يتصدى الفنان العراقي للتعبير عن معاناة الفلسطينيين وما يلاقونه من ظلم وتعسف، محاولين في ذلك توجيه الرأي العام العربي والدولي للاعتناء بهذه القضية وألا تنسى وتظل دائما في الذاكرة.
وشدد على أن موقف نقابة الفنانين ومنتسبيها واضح وثابت، مضيفا "كلنا رضعنا حليب القضية الفلسطينية منذ نعومة أظفارنا، ونرفض أي شكل من أشكال التطبيع، ودائما ما نقول يجب أن يعود الحق إلى أهله، والحق هو أن تعود فلسطين كما كانت".
الدلفي طالب الفنانين بالشعور بوجع الأرض وأنين الأمهات في فلسطين
القدس نشيدنا
من جانبه، يقول الفنان العراقي علي الدلفي إن الفن العراقي والعربي الصادق والهادف ما هو إلا صدى للمساحة المنحصرة بين الخنجر والضحية من ناحية، وبين الصبر والنصر من ناحية أخرى.وفي حديثه للجزيرة نت، طالب الدلفي الفنانين بأن يضعوا أنفسهم في الحدث ذاته، لكي يشعروا بوجع الأرض وأنين الأمهات وحسرة السماء، ليخرج الفن كما هو صورا تعبيرية مسحوبة بعناية فائقة من العملية الجراحية الكبرى الواقعة في خاصرة الأمة.
ويضيف الدلفي "باعتبار أننا كجسد إسلامي وقلب عربي ووجدان إنساني واحد، صار من الواجب أن ينبري الجميع للتصدي ضد أي تعد يمس معتقدنا الإسلامي والأخلاقي العام، (القدس) نشيدنا الذي رددناه في صبا حياتنا الآنفة وأملنا المنشود في قادِم الأيام والأحلام".
سنان دعا العراقيين إلى ترك الخلافات جانبا والتوحد لنصرة فلسطين
تحديات ومشاكل
ويبدي الفنان العراقي سنان العزاوي أسفه لغياب الدور الكافي للفن العراقي اليوم في دعم القضية الفلسطينية، ويرى أن المشكلة تكمن في الانتماء الحقيقي والعقائدي والعروبي.
ويتحدث للجزيرة نت عن وجود الكثير من الأجندات والأصوات التي تبث فكرة التطبيع من جهة، وهناك أصوات نشاز تتحجج بالقول "علينا الاهتمام بالقضية العراقية أولا، وبمصيبتنا المتمثلة في تدخل أجندات دول الجوار في القرار العراقي، ومن ثم نتحدث بالقضية الفلسطينية".
ويضيف أن هاتين الفكرتين نشاز، تبثهما تلك الأجندات عبر أبواق إعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي وقنوات فضائية، مدفوعة الثمن، فضلا عن ظهور جيل ضاعت أهدافه، بسبب التيه الذي أسسه له ساسة العراق، وبالتالي نجد أن الفرد العراقي وخصوصا هذا الجيل العشريني جيل تائه لم يحقق طموحه، ولا يحس بالانتماء الداخلي الكافي في وطنه، ومن ثم لم يكن لديه انتماء عقائدي وحقيقي وعروبي تجاه القضية الفلسطينية، على حد تعبيره.
حميد يرى أن الفنون العراقية في دعم القضية الفلسطينية تنوعت منذ زمن بعيد
الحرب الأخيرة
من جانبه، يقول الكاتب والباحث العراقي أحمد حميد إن الفنون العراقية في دعم القضية الفلسطينية تنوعت منذ زمن بعيد، ولكن الحرب الأخيرة التي استهدفت القدس والأقصى وقطاع غزة، دفعت العراقيين إلى الاحتجاج العام ومنها الاحتجاج بطريقة فنية وحضارية.
ويوضح للجزيرة نت كيف عمل بعض الرسامين العراقيين على رسم معاناة الشعب الفلسطيني، وحالات القصف التي يتعرض لها سكان غزة، والتي تبين الحالة الإنسانية في ذلك القطاع المقاوم.
ويلفت حميد إلى انتشار العديد من المقاطع الغنائية والتمثيلية الشبابية المناصرة لفلسطين على منصات التواصل الاجتماعي المحلية العراقية، إضافة إلى الفنون التشكيلية التي كان لها دور في نصرة القدس، حيث شرع الفنانون العراقيون بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية إلى عصر المخيلة الفنية التشكيلية، من أجل إبراز معالم البطولة والمقاومة والصمود لأبناء الشعب الفلسطيني، وهم يواجهون العدوان الإسرائيلي المستمر عليهم.