د. سعد ياسين يوسف

إلى أُمّي..
معَ أوّلِ صرخةٍ
وأوّلِ إبصارٍ للنورِ
كانتْ خضرتُك تُربّت على صدري
- أنْ لا تخفْ...
وكلَّما أدلهمَّ ليلٌ
أضاءتْ أغصانُ شجرتِكِ قناديلَ
البهجةِ
فتنطلق الكركراتُ...
ناعمةً بيضاءَ
مثل رفيفِ نوارسِ شطِّ العمارةِ
حتى علتْ وجهي سَحابَةُ
الحريق*... في غفلةٍ منكِ
وحينَ رفعتِ يديكِ إلى السَّماء
زمجرَ الأفقُ بالبريقِ
وبصوتٍ راعدٍ
قالَ للشمسِ: أنْ أشرقي على مُحياهُ
وكمثلِ معجزةٍ نَضَى الغيمُ ثوبَهُ
فانتشرَ الضّياءُ.....
وهكذا كلّما مرتْ بروحي سحابةٌ
لذتُ بكِ أن ارفعي يديكِ،
وتمتمي بما أعرفُ، ولا أعرف
وارتقي سُلَّم التمتماتِ المُقدَّسةِ
.........
فبها ما يُوصلُ نبضَكِ إلى السَّماءِ
مثلما الهلاهلُ التي كانتْ تصعدُ
لسماءِ المحلةِ كلّما عدتُ رافعاً يديَ
بالبشارةِ....
كانتْ أناملُكِ
تُرتّبُ شكلَّ العيدِ وترسمهُ
على ملابسي... بالمسكِ والقرنفلِ
ولم أكُ أعلمُ
أنَّ قلادتَكِ التي صاغها أبي
تفقدُ كلَّ عيدٍ
واحدةً من «ليراتِها» الذهبيَّة
لتصيرَ قمصاناً وأحزمة ً جديدةً
فتستبدلينَ بريقي ببريقِها
وتزهرينَ كشجرةِ ياسمين...
كلّما مررتُ أمامَكِ
قلتِ: هوذا!!!!
ومازالتْ لهفتُكِ محفورةً
على جدارِ ذاكرتي الغضَّةِ
يوم غرقتُ في زحمةِ السُّوقِ العتيقِ
لتسرقَني عباءةُ الغجرِ*
كانَ الأسودُ يسرقُ صوتَي
وكنتِ كمثلِ “هاجرَ” تبحثينَ عن بريقِ وجهي
وأنتِ تركضينَ بينَ “مروةِ” مدخلِ السوقِ
“وصفا “نهايتهِ
حتى أشارَ لي الواقفونَ وأخرجوني
لينهمرَ نهرُ ضياعِك
يقيناً وعناقا...
وحينَ كبرتُ
كتبتُ القصائدَ لنساءٍ كثيراتٍ
ويالجحودي!!!!
لم اكتبْ لك ِ
إلا السَّاعةَ بعدَ أنْ أدركتُ
أنَّ القصيدةَ التي
لا ترسمُ بريقَ عينيكِ
يا أُمّي...
صلاةٌ باطلةٌ
لن تبلغَ السَّماواتِ
________________________
* الحريق: في عامه الأول تعرض الشاعر لحادثة انسكاب الماء المغلي على وجهه.
* عباءة الغجر: في الثالثة من عمره حاولت غجرية خطفَهِ وإخفاءَه تحتَ عباءتِها.