أمضت مهمة بولارشتيرن أكثر من عام في جمع البيانات (هانز جروب–معهد ألفريد فيجنر–ويكيبيديا)
عادت سفينة "بولارشتيرن" (Polarstern) التابعة لـ"معهد ألفريد فيجنر" (Alfred Wegener Insstitute) الألماني إلى ميناء "بريمرهافن"، بعد 389 يوما من الانجراف عبر القطب الشمالي المحاصر بالجليد، مما سمح للعلماء بجمع معلومات حيوية عن تأثيرات الاحتباس الحراري في المنطقة.
وقال قائد البعثة ماركوس ريكس، إنه وفريقه المؤلف من 300 عالم من 20 دولة شهدوا "مكانا رائعا وفريدا من نوعه حقا".
وأضاف في مؤتمر صحفي قامت بتغطيته وكالة الصحافة الفرنسية، ونقل عنها موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) تقريره في 12 أكتوبر/تشرين الأول، "يجب حقا أن نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على هذا العالم.. من أجل الأجيال القادمة، واستفادة من الفرصة الضئيلة، لا يزال يتعين علينا القيام بذلك".
وقبل عودتهم قال ريكس لوكالة الصحافة الفرنسية، إن العلماء رأوا بأنفسهم الآثار المأساوية للاحتباس الحراري على الجليد في المنطقة التي تعتبر "مركز تغير المناخ".
وأوضح "لقد شاهدنا كيف يموت المحيط المتجمد الشمالي.. رأينا هذه العملية مباشرة خارج نوافذنا، أو عندما مشينا على الجليد الهش".
وتأكيدا على مقدار ذوبان الجليد البحري، قال ريكس إن البعثة كانت قادرة على الإبحار عبر بقع كبيرة من المياه المفتوحة "تمتد أحيانا حتى الأفق.. في القطب الشمالي نفسه، وجدنا جليدا شديد التآكل وذائبا ورقيقا وهشا".
الفريق شهد شهورا طويلة من الظلام الدامس ودرجات حرارة منخفضة تصل إلى -39.5 مئوية (بولارشتيرن–ويكيبيديا)
قطب شمالي خال من الجليد
وقال ريكس، إنه إذا استمر اتجاه الاحترار في القطب الشمالي، فسيكون لدينا في غضون عقود قليلة "منطقة قطبية خالية من الجليد في الصيف".
أمضت مهمة "بولارشتيرن" التي أطلق عليها اسم "موزايك" (MOSAIC) أكثر من عام في جمع البيانات عن الغلاف الجوي، والمحيطات، والجليد البحري، والنظم البيئية للمساعدة في تقييم تأثير تغير المناخ على المنطقة والعالم.
ولإجراء البحث، تم إنشاء 4 مواقع للمراقبة على الجليد البحري في دائرة يصل نصف قطرها إلى 40 كيلومترا (25 ميلا) حول السفينة.
وقد جمع الباحثون عينات من المياه من تحت الجليد خلال الليل القطبي لدراسة العوالق النباتية والبكتيريا، وفهم أفضل لكيفية عمل النظام البيئي البحري في ظل الظروف القاسية.
الفريق وجد في القطب الشمالي جليدا شديد التآكل وذائبا ورقيقا وهشا (بيكساباي)
وعادت البعثة التي بلغت تكلفتها 140 مليون يورو (165 مليون دولار أميركي) بنحو 150 تيرابايت من البيانات وأكثر من ألف عينة جليد.
وقال ريكس، إن الفريق قاس أكثر من 100 معيار بشكل شبه مستمر طوال العام، ويأمل أن توفر المعلومات "طفرة في فهم القطب الشمالي، ونظام المناخ".
يقول توماس كرومبن عالم فيزياء الجليد البحري "بالنسبة لنا تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة تحليل البيانات، حيث عادت الكثير من البيانات مع السفينة، ومن المحتمل أن نكون مشغولين بها على مدى السنوات العشر القادمة".
وستغذي العديد من المعلومات تطوير النماذج للمساعدة في التنبؤ بما يمكن أن تبدو عليه موجات الحر أو الأمطار الغزيرة أو العواصف في خلال 20 أو 50 أو 100 عام.
60 دب قطبي
منذ مغادرة السفينة من ترومسو في النرويج في 20 سبتمبر/أيلول 2019، شهد الطاقم شهورا طويلة من الظلام الدامس، ودرجات حرارة منخفضة تصل إلى -39.5 درجة مئوية، وأكثر من 60 دبا قطبيا. وكان لا بد من إطلاق رصاصة لتحذير دب قطبي اقترب كثيرا.
لكن التهديد الأكبر كان جراء جائحة فيروس كورونا في الربيع، مما ترك الطاقم عالقا في القطب الشمالي لمدة شهرين. وكان من المقرر أن يقوم فريق متعدد الجنسيات من العلماء بالطيران كجزء من تتابع مجدول لإراحة أولئك الذين أمضوا بالفعل عدة أشهر على الجليد، ولكن كان لا بد من إعادة رسم الخطة عندما تم إلغاء الرحلات الجوية في جميع أنحاء العالم حيث سارعت الحكومات للحد من انتشار فيروس كورونا.
كان لا بد من إطلاق رصاصة لتحذير دب قطبي اقترب كثيرا (بيكساباي)
وخلال الرحلة الاستكشافية، مرت السفينة الألمانية بخط متعرج عبر 3400 كيلومتر من الجليد على طول طريق تحركه الرياح يُعرف باسم الانجراف عبر القطب.
كانت الرحلة تحديا لوجستيا كبيرا، ليس أقله ما يتعلق بإطعام الطاقم خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وتضمنت حمولة السفينة 14 ألف بيضة وألفي لتر من الحليب و200 كيلوغرام من اللفت، وهو نبات جذري.
وقالت راديانس كالمر الباحثة في "جامعة كولورادو" (University of Colorado) -التي كانت على متن السفينة بولارشتيرن من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول- لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الخروج إلى الجليد كان لحظة "سحرية".