ما زالت الحاجة ضروريَّة لتوثيق الجهود السابقة التي بذلها الرواد الأوائل من العراقيين في حقول الفولوكلور العراقي الواسعة والممتدة حتى يومنا هذا.
إنَّ البحث الفولكلوري هو دراسة جانب من الحياة العامة في أمسها ويومها –أحياناً – وحسب مقتضى البحث, وقد كان الفولكلوريون العراقيون الأوائل يعملون بإصرارٍ غريبٍ على تدوين وتوثيق كل ما يجدونه أمامهم من عادات وتقاليد وأمثال وصناعات شعبيَّة وطراز أزياء وشعر شعبي... الخ.
كان ذلك في عهد التأسيس الأول الذي بدأ منذ بدء القرن العشرين عند الإصدارات الأولى لمجلة (لغة العرب), واستمر حتى يومنا هذا.
وقد عانى الباحثون الأوائل من نكد المعارضين لجهدهم من متنفذي الأدب والطبع والنشر الكثير, ذلك أنَّ هؤلاء يجدون في الأدب العامي والبحث في الأزياء والأغاني الشعبية مما ينقص من (هيبة) الأدب والأدباء الباحثين, لكنَّ رجالاً أوفياءً لرسالتهم في الـتأسيس والتثقيف وقفوا ازاء موجات المعارضة لجهدهم عاملين بإصرارٍ ومن دون كلل.
من هؤلاء الاعلام الأب الكرملي والشيخ محمد رضا الشبيبي وكاظم الدجيلي ويوسف غنيمة ومصطفى جواد وداود السعدي وسليمان الدخيل وعشرات سواهم. وقد قام باحثون عرب من أقطارٍ مختلفة بتوثيق ما جاء في هذه المجلة الرائدة عن بلدانهم, ولنا وقفة يوماً ما مع هذه الكتب, لكنَّ أهمها اليوم الكتاب الذي أصدره الباحثان السعوديان أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري ود. أمين سيدو عن هذه المجلة عام 2011 تحت عنوان (مجلة لغة العرب البغداديَّة) وفيه الكثير من التفاصيل المهمة عن المجلة وكتابها وموضوعاتها, ويعدُّ هذا واحداً من أدلة مكانة البحث الريادي الفولكلوري العراقي عبر هذه المجلة.
وقد كانت مجلات وصحف (الاعتدال والهاتف والراعي والبلاغ والبيان العراقيات) الصادرات في النجف وبغداد تمارس دوراً مهماً في التوثيق الفولكلوري بغير خطة واضحة المعالم, وقد استمر هذا الاهتمام من قبل الفولكلوريين العراقيين بالبحث خلال الحربين العالميتين وبعدهما في مجلات وإصدارات مفردة مثل كتاب (الأدب المهني) لخليل رشيد, لكنَّ دراسة واضحة المعالم عن هذه الجهود وسواها في إصدارات الموصل والبصرة وكربلاء لم تظهر بعد.
في الستينيات من القرن الماضي نشطت مجموعة من الفولكلوريين العراقيين وعملت على تأسيس مجلة (التراث الشعبي) التي صدرت في أيلول 1963 بجهودٍ شخصيَّة غير رسميَّة, مما يستحق الدراسة في المؤتمر الأول لجمعيَّة التراث الشعبي العراقيَّة الذي سينعقد في الثامن من أيار الحالي الذي سينير الأضواء عن تجارب الفولكلوريين العراقيين المؤسسين.
ما أردت ختاماً قوله إننا نحتاج الى توثيق جهد هؤلاء وأنْ ننشط الحديث عنهم عبر مؤلفات صغيرة أو موسعة تستجلي نشاطاتهم ونشأتهم وتجاربهم مثلما تفعل الشعوب الأخرى لتخليد رجالها, وأحسب أنَّ مهة كهذه لا تقع على عاتق فردٍ أو دائرة، بقدر ما يكون الأمر معداً وبتخطيط تشارك فيه عدة جهات لمثل هذه الإصدارات التوثيقيَّة المهمة التي تعرف بجهد الفولكلوريين العراقيين من الرواد ومن تبعهم بالحرث في هذا الميدان الحيوي الفاعل والمهم.