هناك ما يتقطّع دائما في الحيّز الضيّق بين الحياة وثقافتنا العراقية، ونجرؤ على القول بوجود فصام فطري، يواصل القطيعة بين ما يعتمل ويتشكل في الشارع وما نُنجزه من رؤى، وأفكار، وبمعنى ما، فإنَّ الثقافة عاجزة، وغير فاعلة في مواكبة الحدث العراقي سياسياً واجتماعياً، وإنْ وجدت، فهي نتفٌ صغيرة، لا أصداء حقيقية لها.
هناك، حلقة وصل غائبة، يبدو أننا، مجتمعون، نتجنب الخوض فيها، لعلها تكون مكلِفة، لذا، سأحيدُ مع من حاد عن ذكرها، واذهب بعيداً في اللغة وكناياتها ومجازاتها، هناك، حيث يمكنني معاودة الكتابة ثانيةً.
ليس هناك مكان آمن على الحياة أفضل من كرسي المكتب في البيت، ولا أجمل من معاينة الصفحات الزرق، التي تتقلب بنا، أو نتقلب فيها، نبحث عن الغريب والنادر من الكتب واللوحات والصور والافلام.. هنا حيث يمكننا تعنيف صديقنا، والنيل منه، لأنه لم يشاهد فيلم دانيال دي لويس، قبل الاخير، أو الاخير، لا فرق(خيوط وهمية) وأنه غير قادر على إدراك ثيمة الفيلم الكبرى، وهو أدنى من أنْ يتأمل اللقطة العظيمة، في الدقيقة الثامنة بعد الستين، إذ يقوم (وودكوك) يقبل قدم ليز لي ما نفيل (ألمَا) هو الذي انشغل بتصاميم ثياب الكونتيسات الثريات، وتجاهل أناقتها وجمالها في ثلثي الفيلم ووو. وبمثل هذه نستطيع السخرية من صديق آخر، لأنه لم يقرأ (العَمى) رواية سام راجو. هذا الذي يقول: "المعجزة الوحيدة التي نستطيع تحقيقها هي أن نستمرَّ في العيش، نحافظ على هشاشة الحياة من يوم إلى آخر".
وبمقدورنا أيضاً إيجاد عشرات المثالب عند أصدقائنا، كأن نبحث بأخطائهم في النحو والإملاء، ونعيب عليهم التقعر في اللغة، وفي ما يكتبون من شعر ونثر، وفي ذهابهم البعيد باستقصاء الخلاف المرير بين الفرزدق وجرير، أو مناكفات شوقي وحافظ، والرصافي والزهاوي، أو السيّاب والبياتي، وهي مما صرنا نحفظه لهم عن ظهر قلب، ولا بدَّ من تعريج سريع لنا على الكوميديا العراقية، إذ سننشغل بمقاربات الحوار بين المسلسل هذا وذاك، لكننا، لن نجتاز العتبات الحُمر لبعض الاعمال، فالاسئلة الكبيرة تورد إجابات خطيرة. بهكذا، سننضم الى تجمع الاسرة في البيت، متحدثين معهم في ترتيب أثاث الصالة، وتهيئة متطلبات العيد، وآلية التعامل مع الزوار، في ظلِّ ازمة الكورونا، التي لم تنته بعد.
يُدمن أولادُنا معاينة أفلام الاكشن، هي تمنحهم حركة أنيقة، وفهماً سريعاً، وحكمةً راسخةً أحيانا، نتلمس ذلك في نفورهم في مهادنتهم لنا، وكثيراً ما ترهبنا صورُهم، وهم عائدون من حدائق أحلامهم، نحن نطالعها في الشاشات العريضة، والساحات المزدحمة والمظلمة، هناك حيث يعقدُ أبطالهم القرائنَ الكبرى، فلا يخطئون في مواجهة الخصوم، نتأملهم وهم يقوّمون أداتهم بأناة، ويحصدون نِقاطاً أكثرَ، في اللعبة الباهرة تلك، نحن لا نملك إلا التطلع في أكفّهم
حسب.