البندقية هي مجرد مثال على تحديات الحفاظ على المعالم الأيقونية المهددة بآثار تغير المناخ (بيكساباي)


مع تقليص السفر العالمي خلال جائحة كورنا "كوفيد-19″، يجد كثير من الناس راحة نفسية في التخطيط للرحلات المستقبلية، لكن تخيل أنك وصلت بالفعل بعد طول عناء إلى مدينة البندقية (فينيسيا)، ولكنك وجدت المياه قد غمرت هذه "المدينة العائمة".
هل ستتجول في ميدان سانت مارك على ممرات مؤقتة أو ممرات خشبية مرتفعة، أو هل ستغادر المدينة وتأمل في زيارة أخرى في وقت ما في المستقبل؟


فيضانات البندقية

أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change) (IPCC) التابعة للأمم المتحدة أخيرا أن الفيضانات في البندقية ستزداد على مدار 30 عاما المقبلة بضعة مليمترات كل عام.
ومع ارتفاع مستوى مياه البحر الأدرياتيكي، فمن المتوقع حدوث فيضانات شديدة كل 6 سنوات بحلول عام 2050، وكل 5 أشهر بحلول عام 2100، على الرغم من أنها كانت تحدث بمعدل مرة واحدة كل 100 عام.
البندقية هي مجرد مثال واحد على تحديات الحفاظ على المعالم الأيقونية المهددة بآثار تغير المناخ، مثل ارتفاع منسوب البحار والعواصف وحرائق الغابات، وهناك العديد من مواقع التراث العالمي المهددة التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ككنوز ثقافية أو طبيعية.
كما تواجه المتنزهات الوطنية الأميركية فيضانات مرتبطة بالعواصف والتعرية نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحار، كجزيرة جيمستاون (Jamestown island) في فرجينيا وتمثال الحرية في نيويورك، والمنطقة التاريخية في كارولينا الجنوبية. ووفقا للخبراء، سيتطلب النجاح في الحفاظ عليها تفكيرا جديدا بشأن معنى الحفظ.



تواجه بعض المتنزهات الوطنية الأميركية وتمثال الحرية فيضانات مرتبطة بالعواصف والتعرية (بيكساباي)


الأهمية النسبية

يتفق خبراء الحفاظ على التراث الثقافي في جميع أنحاء العالم على أنه من المستحيل حماية كل هذه الأماكن إلى الأبد، بل سيتطلب الكثير منها تجديدا مستمرا، وسيحتاج بعضها الآخر إلى دفاعات مثل الجدران البحرية وبوابات الفيضانات على الرغم من أنها قد لا تكون فعالة لفترة طويلة.
وقد حدث اختبار مبكر لهذا النهج في عام 1999 عندما أجبر تآكل شاطئ كارولينا الشمالية دائرة المتنزهات الوطنية على نقل منارة "كيب هاتيراس" (Cape Hatteras Lighthouse) إلى الداخل لمسافة نصف ميل، وهي منارة في أوتر بانكس في مدينة بوكستون بولاية كارولينا الشمالية، وكلّف النقل 11.8 مليون دولار أميركي، وأثارت جدلا واسعا بشأن كيفية التعامل مع المباني التاريخية الأخرى المعرضة للخطر.
وقد طور هذا المشروع عملية لتحديد الأهمية النسبية للمباني التاريخية، وأنشأ فريق بحثي بقيادة إيرين سيكامب أستاذة الحدائق والترفيه وإدارة السياحة، بجامعة ولاية كارولينا الشمالية (North Carolina State University) أداة تخطيط للمساعدة على اتخاذ قرارات فعالة من حيث التكلفة.

يجمع نموذجها بيانات عن أهمية كل مبنى ونقاط ضعفه، ويقوم بتقييم تكاليف التكيف أو التأقلم، مثل رفع المباني أو نقلها، ورسم الإستراتيجيات الممكنة على مدى 30 عاما.
تقول سيكامب -في مقال منشور على موقع "ذا كونفرزيشن" (The Conversation) في الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي- "عندما اختبرنا النموذج على 17 مبنى من مباني كيب لوكاوت المعرضة للفيضانات، وجدنا أن أفضل الإستراتيجيات كانت رفعها في مكانها أو نقلها إلى أرض مرتفعة.
ومع ذلك، كشفت المقابلات مع السكان المحليين أن تغيير موقع أو مظهر هذه المباني أزعج بعض السكان السابقين وأحفادهم، وأضافت "كان لدى العديد من الأشخاص الذين تحدثنا إليهم صلات عميقة بهذه الأماكن التي كانت جزءا من هوياتهم الشخصية والعائلية والمجتمعية. والمثير للدهشة أن البعض قال إنهم يفضلون خسارة بعض هذه المباني على تغييرها".



كلّف نقل منارة كيب هاتيراس إلى الداخل لمسافة نصف ميل 11.8 مليون دولار أميركي (راديو فان – ويكيبيديا)


مواجهة تحديات المناخ

ألهمت هذه النتائج سيكامب لاستكشاف النهج العالمية التي تركز على الناس للحفظ والسياسات الدولية التي تحكمها، وإلى نهج أكثر استباقية، بما في ذلك الجهود الوقائية لمنع الضرر. وتركز توصيات السياسة الحالية على التجديد أو الدفاع، وتعارض التغيير المادي.
مع ذلك، فإن إضافة موقع إلى قائمة "الخطر" أمر غير مرغوب فيه لأنه يمكن أن يقلل من عائدات السياحة ويثني الممولين عن دعم جهود الإنقاذ.
وقد وجدت الباحثة أن تغير المناخ يهدد العديد من مواقع التراث العالمي، بعضها مواقع أثرية، وبعضها مدن بأكملها مثل البندقية، والمباني التاريخية مثل دار أوبرا سيدني الأسترالية فهي أيضا في طريقها إلى التضرر.



تغير المناخ يهدد العديد من مواقع التراث العالمي والمباني التاريخية مثل أوبرا سيدني (هورست مولر – بيكساباي)


المفهوم البيئي للمرونة

ترى الباحثة أن هناك حاجة لنهج جديد يسمى "مواقع التراث العالمي في التحول المناخي"، ويعتمد على المفهوم البيئي للمرونة، وهو في الأساس القدرة على البقاء من خلال التغيير والتكيف.ويسمح هذا النهج للمديرين بإصلاح أو تكييف أو حتى تحويل الأماكن المعرضة للخطر، وسيضع هذا التصنيف الجديد المجتمعات في مركز عملية التخطيط وإنشاء قاعدة بيانات قابلة للبحث عن تأثيرات المناخ والتدخلات.
وقد يكون التدخل في تحويل المواقع التراثية مثيرا للجدل، لكن الساعة تدق. ويستغرق البحث والتصميم وبناء الدفاعات وقتا. فعلى سبيل المثال، يتم اختبار البوابات التي تم تركيبها لحماية البندقية بعد عقد من الزمن مما هو مخطط له.
ومن وجهة نظر سيكامب سيتطلب إنقاذ المواقع الثقافية والتاريخية من تغير المناخ نهجا جديدا للحفاظ على التراث، وتقول "حان الوقت الآن للتفكير بشكل إبداعي، مع مدخلات من الأشخاص الذين يتم تمثيل تراثهم في هذه الأماكن، لاكتشاف مسارات جديدة لحمايتهم".