تحتوي كهوف إندونيسيا على أقدم أدلة الفنون التي تركها الإنسان الحديث، غير أن هذه اللوحات الفنية أصبحت مهددة بالاندثار أخيرا إثر تغير المناخ.
لوحات الكهوف تعدّ أدلة مصورة على نمط الحياة الثقافية القديمة وعادات الصيد (ذا كونفرسيشن)
تحتوي الكهوف الموجودة في جزيرة "سولاويزي" (Sulawesi) الإندونيسية على لوحات فنية فريدة يرجع عمرها إلى أكثر من 45 ألف عام، وتعدّ أقدم الأدلة التي تشهد على اهتمام الجنس البشري الحديث بالفنون الصخرية.
وتحتوي هذه الكهوف على رسوم -جميعها باللون الأحمر الداكن- بسيطة مثل "إستنسل" اليدين (وهو رسم شكل اليدين على الصخور بتخضيب ما يحيط بها بلون مميز)، أو مركبة مثل رسوم بعض الكائنات الثديية الضخمة أو بعض الحيوانات الخيالية.
تحتوي الكهوف الموجودة في جزيرة "سولاويزي" الإندونيسية على لوحات فنية فريدة (شترستوك)
لوحات عتيقة
وقبل أن يُكشَف الغطاء عن لوحات الكهوف الإندونيسية، كانت الرسوم -التي يعود تاريخها إلى قبل 30 إلى 40 ألف سنة- الموجودة في كهف "شوفيه" (Chauvet) بجنوب فرنسا أو تلك الموجودة في كهوف مونتي كاستيلو (Monte Castillo) في إسبانيا تصنف أنها أقدم الأدلة على الفنون الصخرية.
ولأن لوحات الكهوف الإندونيسية تعدّ أقدم العروض المصورة التي نعرفها على الأرض، فإنها تحتل مكانة خاصة لدى العلماء. إذ تخبرنا هذه اللوحات عن السكان الأوائل الذين عاشوا في تلك المنطقة، ويُرجّح كونهم أول البشر وصولا إلى أستراليا.
كذلك فإن هذه اللوحات تزودنا بأدلة مصورة على نمط الحياة الثقافية القديمة وعادات الصيد وكيفية تعامل البشر مع الحيوانات، وتوفر أيضا بعض الأدلة على معتقدات البشر الأوائل وإيمانهم بالظواهر الخارقة.
يرجع تاريخ لوحات الكهوف في جزيرة "سولاويزي" إلى أكثر من 45 ألف عام (ذا كونفرسيشن)
رسوم متنوعة
وبداية، فقد عثرت دراسة نشرت في دورية "نيتشر" (Nature) عام 2014 على رسوم لأيد بشرية على جدران أحد هذه الكهوف، ويعود عمر هذه الرسوم إلى 40 ألف عام على الأقل.
كذلك أرّخت دراسة نشرت عام 2019 عمر لوحة أخرى بنحو 43 ألفا و900 عام. إذ صورت هذه اللوحة شخصيات -نصفها لإنسان ونصفها الآخر لحيوان- تقوم باصطياد الخنازير والجاموس القزم، وتعدّ هذه اللوحة أقدم شاهد على فنون الصيد في عصور ما قبل التاريخ.
وأرخت الأصباغ التي رُسمَت بها هذه الفنون الصخرية عمر البشر الأوائل الذين سكنوا أستراليا ما يزيد على 60 ألف سنة، وذلك حسب ما نشرته دراسة أخرى في الدورية ذاتها.
غير أن هذه اللوحات الفنية المذهلة بدأت تفقد رونقها منذ خمسينيات القرن الماضي، إذ بدت مظاهر التحلل والاندثار واضحة على تلك اللوحات المميزة التي زينت جدران تلك الكهوف آلاف السنين، بيد أن السبب في هذا التحلل كان مجهولا.
واقع ينذر بالخطر
وحديثا، سلطت دراسة بحثية نشرت في دورية "ساينتيفيك ريبورتس" (Scientific Reports)، في 13 مايو/أيار الجاري، الضوء على الآليات التي تؤدي إلى تحلل هذه الفنون الصخرية الموجودة في 11 موقعا بمنطقة "ماروس-بانجكيب" (Maros-Pangkep) في جنوب جزيرة "سولاويزي" بإندونيسيا.
وحسب التقرير الذي نشره موقع "ذا كونفرزيشن" (The Conversation)، فإن التحلل الذي أصاب لوحات الفن الصخري في تلك المنطقة ازدادا سوءا في العقود الأخيرة، ومن المرجح أن يستمر بهذه الوتيرة من التدهور مع الزيادة المضطردة في تغير المناخ.
وللوقوف على الأسباب التي تؤدي إلى التدهور السريع لهذه الرسوم -على الرغم من بقائها مدة بلغت 20 إلى 40 ألف سنة- استخدم العلماء مجاهر وتقنيات متقدمة، وتوصلوا في النهاية إلى أن تآكل هذه الرسوم قد نتج من ترسب الأملاح على أسطح الكهوف.
ترسب الأملاح على صخور الكهوف يؤدي إلى اندثار لوحاتها الفنية وطمسها (ذا كونفرسيشن)
فعندما تترسب الأملاح على أسطح الكهوف الصخرية إثر تبخر المياه، فإنها تكون بلورات ملحية تتمدد وتنكمش بفعل ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، فيمثل ذلك نوعا من الإجهاد الذي يؤثر في هذه الصخور مسببا تفتت سطحها، أو تكون طبقة عازلة من الملح بين الرسوم والصخور المرسومة عليها، وذلك يفضي إلى طمس هذا اللوحات الفنية في نهاية المآل.
ويزداد حجم الطبقات الملحية إلى 3 أضعاف في الأيام الحارة، فينتج عن ذلك طمس هذه اللوحات بحجم يقدر بنصف حجم اليد الواحدة في أقل من 5 أشهر.
كذلك فإن الاحترار العالمي يزيد حرارة المناطق المدارية 3 أضعاف، ومن ثم فإن هذه المناطق أصبحت تشهد مناخا أكثر حدّة يتمثل في تزايد الحرارة أياما عدة على التوالي، فضلا عن تزايد أوقات الجفاف. ومن ثم فإن الاحتباس الحراري يعد من أكبر التحديات التي تعوق جهود الحفاظ على الفنون الصخرية الموجودة في المناطق المدارية.