Sat, Feb 16, 2013
الجينوم البشري الشخصي.. يدشن عهدا جديداالصين تتبارى لتقديم الخريطة الجينية الكاملة لأي فرد بأسعار «متهاودة»
يعكف العلماء في مختلف دول العالم على كشف ألغاز التركيبة الجينية الكاملة لآلاف الأفراد، أي وضع الجينوم البشري الشخصي لهم، بهدف التعرف على احتمالات وجود تشوهات وراثية أو استعدادات لإصابتهم بمختلف الأمراض، ولأغراض تطوير عقاقير دوائية موجهة لحالاتهم.
وبينما تتميز الصين بكونها واحدا من أكبر «معامل العالم المنتجة» لشتى البضائع حول العالم، فإنها تبدو اليوم على عتبة القفز إلى المراتب المتقدمة في تطوير طرق الكشف عن الجينوم البشري وبأسعار متهاودة.
معهد «بي جي آي» - شنجين» الصيني الذي كان يعرف باسم «معهد بكين لعلوم الجينات» انتقل من موقع بعيد خلف الستار ليحتل اليوم موقعا متقدما في الحلبة الدولية في أبحاث الجينوم الحيواني والنباتي والبشري، وهو يوحد جهود علمائه اليوم، لكي يتحول إلى الكشف عن ألغاز التركيبة الجينية لآلاف الأشخاص لشتى الأغراض.. من تحديد جينات الذكاء لديهم إلى الجينات المسؤولة عن مرض التوحد.
وفي أحدث الأبحاث له فإنه ينوي التعرف على تركيبة الجينات لدى 2000 شخص دفعة واحدة، أي اكتشاف 12 تريليونا من القواعد الصغيرة التي يتألف منها الحمض النووي المنقوص الأوكسجين «دي إن إيه»! وقد تمكن المعهد عام 2010 وبعد حصوله على قرض مصرفي بمقدار 1.6 مليار دولار من اقتناء 128 من آلات رصد التسلسل الجيني المتفوقة يبلغ ثمن الواحدة منها نصف مليون دولار.
ويحتوي المعهد اليوم على 156 آلة تعالج 10 إلى 20 في المائة من البيانات العالمية الخاصة بالتسلسل الجيني التي يكتشفها العلماء حول العالم.
وقد أعلن المعهد الشهر الماضي عن توصله إلى الجينوم الكامل لـ90 نوعا من أنواع الحمص، كما أعلن حديثا أنه وضع الجينوم البشري الكامل من 50 ألف شخص - وهو أكبر عدد من مثل هذا الجينوم تنفذه مؤسسة علمية عالمية واحدة.
* جينوم بشري رخيص
* ويتدنى ثمن الحصول على الجينوم البشري بفضل تزايد دقة الآلات الإلكترونية الراصدة للتسلسل الجيني والمعالجة لبياناته. وخلال بضع سنوات ربما سيلجأ مئات الآلاف من الأشخاص للحصول على تركيبتهم الجينية بهدف التعرف على ما ستؤول إليه أحوالهم الصحية.
ويتجه المعهد لتوسيع نطاق خدماته، إذ أعلن أنه مستعد لتنفيذ طلب أية جهة أخرى لرسم الجينوم البشري سواء من شركات الأدوية الكبرى أو الجامعات العالمية.
وكان قد شرع في تشغيل مختبرات تابعة له في دول أجنبية مجهزة باختصاصيين صينيين. وينظر الخبراء إلى نجاحات هذا المعهد الصيني بنوع من الانبهار والتخوف، لكبر حجمه ولدخوله إلى ميدان التنافس الاقتصادي. ويضم المعهد أيضا مركزا لاستنساخ الحيوانات، كما أنه يقوم بأبحاث على الخلايا الجذعية ولديه مختبرات للتشخيص.
ويوظف 4 آلاف شخص أي بحجم جامعة، أغلبهم من الشباب – 1000 منهم في قسم تقنيات المعلومات البيولوجية وحده! وكان المعهد قد شارك في الجهود الدولية لمشروع الجينوم البشري الذي توج بنجاح قبل عقد من الزمان، وبلغت تكلفته 3 مليارات دولار.
إلا أن التطويرات الحديثة قد قادت إلى انخفاض سعر الجينوم البشري لفرد واحد إلى عدة آلاف من الدولارات. ويتوقع باحثو المعهد أن ينخفض الثمن إلى 200 أو 300 دولار في العقد القادم. كما يعتقد خبراء المعهد أنهم سيتمكنون من إنشاء محرك بحث شبيه بمحرك «غوغل» للحصول على المعلومات البيولوجية بسهولة.
* دراسات الذكاء
* وغالبا ما ينفذ المعهد أفكارا يقدمها باحثون آخرون، وقد توجه حديثا لتحقيق فكرة تقدم بها ستيف هسو نائب رئيس جامعة ميتشيغان الأميركية للبحث عن الجينات المؤثرة على ذكاء الإنسان. ويقوم المعهد حاليا بتحليل عينات من الحمض النووي استخلصت من 2000 أميركي من الذين كان معامل الذكاء 160 على الأقل (أي أن ذكاءهم أعلى بـ1.6 مرة من الأشخاص المماثلين لهم)، وخزنت في جامعة كنغز كوليدج في لندن. وتهدف خطة البحث إلى مقارنة الجينوم البشري للأذكياء مع جينوم الأشخاص العاديين، وهو بحث حساس ومثير للجدل في الدول الغربية إضافة إلى أن إجراءه يتطلب بين 15 و20 مليون دولار.
كما أوصت مؤسسة «التوحد يتكلم» Autism Speaks الأميركية المعهد بوضع الجينوم البشري لنحو 10 آلاف شخص ينحدرون من عائلات لها أطفال مصابون بالتوحد، فيما طلب باحثون دنماركيون من المعهد تحليل جينات 3 آلاف شخص من المعانين من السمنة ومقارنتها بجينات 3 آلاف آخرين من النحفاء.
* تشخيص جيني
* وشرع المعهد في التوسع أبعد من ذلك، إذ بدأ في الدخول إلى ميدان «المسح الجيني» وهو الميدان الذي يتوقع له الاتساع وذلك بوضع نظم تشخيصية لتحليل الحمض النووي «دي إن إيه» في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا، حيث عكف 10 اختصاصيين صينيين على إنشائه ونصب خمس آلات لرصد التسلسل الجيني. ويتوقع الخبراء أن يؤدي دخول هذه التقنيات المستشفيات إلى زيادة أعداد الجينوم البشري المكتشفة إلى عدة ملايين في السنة.
ويقول روبرت دومز مدير مستشفى الأطفال إن الصينيين يمتلكون الخبرة والأدوات والطرق الاقتصادية بتحقيق ذلك.
ونقلت عنه مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية أن الصينيين سيتسلمون مبالغ مقابل كل جينوم كما سيعرضون خدماتهم على عائلات أصيب أطفالها بأمراض يصعب تشخيصها.
* جينوم الحمام
* وعلى صعيد آخر أعلن فريق علمي دولي بداية هذا الشهر عن نجاحه في فك رموز جينوم الحمام الطوراني، سلف الحمام المدجن، وقال الباحثون إن هذا الحمام (الأزرق) الذي دجن قبل 5 آلاف سنة في حوض البحر الأبيض المتوسط، من أكثر الطيور انتشارا وتنوعا، حيث يوجد منه 350 جنسا مختلف الحجم والشكل والألوان، وحتى في طول المنقار والصوت وريش الرأس وبنية العظام. ويأتي هذا النجاح بعد فك جينوم الدجاج والديك الرومي والببغاء.
وأوضح الباحثون أن الأجناس الرئيسية للحمام يعود أصلها من الشرق الأوسط وأميركا الشمالية. ويمتلك الحمام الطوراني نحو 17300 جين مقابل 21 ألف جين لدى البشر.
* «عقل بشري صناعي».. بمليار يورو
فاز «مشروع العقل البشري» بمنحة قدرها مليار يورو من المفوضية الأوروبية. وقال هنري ماركرام مدير المشروع أن الهدف منه هو توحيد عمليات فهم الدماغ. وأضاف أن الباحثين يرومون التوصل إلى تطوير نظام محاكاة لوظائف وأعمال الدماغ على كومبيوتر عملاق.
وأضاف: «إننا نرى اليوم علماء الأعصاب وهم يدرسون الجينات ومستويات الإدراك والسلوك، وكذلك علماء البيانات البيولوجية والكيميائيين وحتى الرياضيات يحاولون فهم بعض جوانب عمل الدماغ وتركيبته. وسيوحد هذا المشروع جهودهم وسيكون بمثابة مشروع (سيرن) العالمي لأبحاث الذرة إلا أنه سيوجه لدراسة الدماغ».
وأضاف في حديث لمجلة «نيو ساينتست» العلمية البريطانية أن هناك ثلاثة أهداف للمشروع، الأول هو اكتشاف عملية التعلم، فعند اكتمال دقة عمل الدماغ، فإننا سنربطه بروبوت ونحاول فهم كيفية تعلم الروبوت من الدماغ، وبذلك يمكننا كشف سلسلة الأحداث المترابطة من الجزيئة في الدماغ وحتى الوصول إلى عملية الإدراك. أما الهدف الثاني فهو جمع المعلومات حول العالم للكشف عن البصمات البيولوجية للأمراض في الدماغ، وأخيرا فإننا نطمح لتصميم كومبيوترات «عصبية» بمقدورها التعلم والمحاكاة. وحول مدى التقدم في المشروع أشار ماركرام إلى أن الباحثين تعرفوا على قواعد إعادة بناء الدماغ، وأصبح بمقدورهم بناء دارات من مليون من الخلايا العصبية للفئران، وعلينا الآن جمع وتشبيك هذه الدارات.