كانت الأمةُ العربيةُ أمّةً واحدةً لا تعرفُ غيرَ نفسها، إلاّ ما كانَ من بعضِ أفرادها الذين يضربون في الأرض، يبتغون من فضل الله، ولم يكن معهم في بلادهم مَن يخالطهم من ذوي اللسانِ الأعجميِّ إلاّ أفراد من الموالي ونحوهم، وحصل من جرّاء ذلك أن تلقّفوا ألفاظًا سمعوها، ولاكتها ألسنتهم، منها ما كانوا يحتاجون إليه، أو يضطرّون إليه اضطرارًا كأسماء ما جلب إليهم من غير العرب كالإستبرق، والنردشير، ولكنها كانت ألفاظًا قليلةً محفوظةً لا تخفى على العربيِّ، وأمّا اللّحنُ في الإعرابِ فلم يكن شائعًا؛ إذ هم أهلُ الصنعةِ، والملَكةِ، والإعرابِ، فلمّا جاء الإسلامُ واتّسعت رقعتُه بفتوحِ البلدان، وصارَ الناسُ في ميزانِ العدلِ الإسلاميِّ سواسيةً، واحتاج بعضُ العربِ أن يرطنَ باللسانِ الأعجميِّ، وأحبّ العجميُّ أن يفصحَ باللّسانِ العربيِّ لم يبقَ للحفاظِ على لسانِ العرب الصحيح، إلاّ أن يمنع النقل والاستشهاد بعد العصر الأول للإسلام، على اختلاف بين علماء اللغة في الوقت الذي ينتهي فيه الاستشهاد.
فسببُ فسادِ اللّغةِ هو اختلاطُ العربِ بغيرهم، كالذين اختلطوا بأولاد حام من السودان، والحبشة، لمّا خالطهم بعضُ أهل همدان، وخولان، وحمير، والأزد بسبب المجاورة، وكذلك الذين جاوروا الرّوم من أبناء تغلب، ومثلهم الذين جاوروا الأقباطَ بمصر، والنصارى بالشام، وهم جذام، وغسّان، ولخم، وفسدت لغةُ تميم لمّا جاوروا فارس، وكذلك عبد قيس جاوروا أهل فارس، وبنو حنيفة، وبكر بن وائل جاوروا الأنباط بالعراق، والطائيون جاوروا أهل الروم بالشام، كما ذكر ذلك ابن فلاح اليمني في أول كتابه "المغني"، وقد تكون المخالطة بما هو أكبر من البيع والشراء والمجاورة، كالمخالطة بالزواج، وأضربُ لذلك مثلاً، وهو أنّي لقيتُ رجلاً من أبٍ حضرميٍّ وأمّه من سومطرا بإندونيسيا، وُلد فيها، وبها نشأ، ويتكلّم بالعربية على الطريقة الإندونيسية، فسألته عن قريب له أعرفه: كيف حاله؟ فقال بلسانٍ عربيٍّ غير مبين: قَدُوْ مُرطَاحْ، أي: قد هو مرتاح، ومزج الحاء بهاء في نطقه، ولكنني لا أستطيعُ كتابةَ ذلك، وبالله التوفيق