ولقد أنعم الله علينا من وسائل حفظ مصادر الأدب ونقلها وعرضها، بما لم يخطر ببال سلفنا؛ فإذا كان المدرس منهم يعتمد على قراءته من حفظه أو من مكتبته الوَرَقِيّة فقط، فإن المدرس منا يعتمد مع ذلك على قراءته وإقرائه من مكتبته الرَّقْمِيّة المصورة وغير المصورة وكلِّ مكتبةٍ رقميةٍ أخرى مُتاحة على شبكة الإنترنت؛ فكما نهضت القراءة بالطباعة نَهْضتَها السالفة من ضيق الإملاء، تنهض بالرَّقْمَنَة نَهْضَتَها الخالفة من ضيق الطباعة، على أنه كما لم تستغن الطباعةُ قَطُّ عن الإملاء، لن تستغني الرَّقْمَنَةُ عن الطباعة أبدا.
ولقد رأيتني هذه الأيام أُدرّس لطلاب علوم العربية وآدابها بعض ما قُرِّر عليهم، فأَعْرِض بعض الكتب الرقمية، وأفتح صفحة كتابية، وأمضي في الكتاب ما شئت أقرأ وأقرئ، وأشرح على الصفحة الكتابية. وما شئتُ انتقلتُ إلى المكتبة الشاملة أو الموسوعة الشعرية المحملتين على حاسوبي المحمول، فنهلتُ منهما ما تيسر لي. وما شئتُ انتقلتُ إلى مواقع إنترنتية متخصصة. ثم أرسلتُ إليهم من ذلك على بُرُدِهم الإلكترونية.
ولقد بلغني من سنوات عن وزارة التعليم التركية أنها وَزَّعَتْ على طلاب بعض مدارسها حَواسِيب لَوْحِيّة (آيبادات)، فأعجبني ذلك كثيرا، لأنه يُساعد على توظيف مصادر الأدب في تدريس اللغة العربية ما لا يُساعده غيرُه؛ إذ الحاسوبُ اللوحيُّ نفسُه بين الأيدي، كتابٌ مطلق مدهش، تتحرك به وتقلبه وتتنقل فيه ومنه ما لا يكون في غيره.
ولا بأس فيما لا طاقة له بذلك أن تُتَّخَذَ في مجالس التدريس منه مكتباتُ مصادر أدبٍ، يُعَوِّل كلُّ مدرس على ما في مجلسِ تدريسه منها، ويُديرها على طلابه ما شاء، إن لم يمكن توزيع نسخ منها عليهم من قبل. وما أَحْكَمَ مَنْ اتخذ المكتبةَ نفسها مجلسَ تدريس! وهل كان مجلسُ محمود محمد شاكر أستاذنا أستاذ الدنيا -رحمه الله، وطيب ثراه!- غير مكتبة ضخمة، ترفده ما شاء، وترفدنا!