ما الذي سبب أعنف زلزال و"تسونامي" في تاريخ المتوسط؟ علماء يقدمون تفسيرا جديدا
زلزال عام 365م قد يكون ناتجا عن صدوع طبيعية وليس عن اندساس الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوراسية كما كان يعتقد كثيرون
زلزال عام 365م في كريت أحدث موجات تسونامي لكنه لم يكن الزلزال الوحيد في شرق المتوسط (فليكر)
كشف باحثون في دراسة علمية جديدة حقائق جديدة حول أكبر زلزال شهده البحر المتوسط في القرن الرابع الميلادي، وأدى إلى موجات تسونامي عنيفة، وأشاروا إلى أن أحداثا مشابهة قد تكون سبقته، وأدت إلى ارتفاع مستوى جزيرة كريت عدة أمتار.
وفي الدراسة -المنشورة مؤخرا في دورية "إيه جي يو أدفانسز" (AGU Advances) العلمية- رجح باحثون من "مركز جي إف زد الألماني لبحوث علوم الأرض" (GFZ German Research Centre for Geosciences) أن تكون الصدوع المنتشرة في القشرة الأرضية تحت جزيرة كريت هي سبب تلك الأحداث وليس تصادم الصفائح الأرضية كما كان متوقعا في السابق.
شدة موجات تسونامي التي أحدثها زلزال عام 365م أغرقت الإسكندرية ومدنا أخرى (إيه جي يو أدفانسز)
افتراضات وشكوك
يقول العلماء إنه في صيف عام 365 م، تعرضت منطقة البحر الأبيض المتوسط لزلزال عنيف بلغت شدته بمقياس ريختر 8 درجات أو أكثر، وتسبب الزلزال وما تلاه من موجات تسونامي في مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتدمير مدينة الإسكندرية في مصر، وعدة مدن أخرى على ساحل المتوسط.
وأجمع العلماء على أن اندساس الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوراسية كان سبب هذا الزلزال العنيف، وحددوا مركزه في منطقة الاندساس الهيلينية تحت جزيرة كريت.
ومع ذلك، تشير الدراسة الجديدة -حسب البيان الصحفي للمركز- إلى أن بعض الافتراضات السابقة حول هذا الزلزال وما خلفه من آثار قد لا تكون صحيحة؛ إذ تشير أحدث الأدلة إلى أن مجموعة من "الصدوع الطبيعية" قبالة الساحل الغربي والجنوب الغربي لجزيرة كريت ربما كانت وراء ارتفاع مستوى اليابسة على طول ساحل كريت.
والصدوع عبارة عن كسور في صخور القشرة الأرضية، يحدث على جانبيها انزلاق للصخور نتيجة الضغط الشديد الذي تسببه حركة القشرة الأرضية.
انتشار الأصداف والهياكل العظمية على شواطئ كريت نتيجة ارتفاع اليابسة الذي سببه زلزال عام 365م (بيكسهير)
إعادة تشكيل الأحداث
قام الباحثون بجمع البيانات حول بقايا بعض أنواع الرخويات والشعاب المرجانية من 8 مواقع في جميع أنحاء جزيرة كريت، مما مكنهم من بيانات جديدة من حيث الأعمار الجيولوجية، ثم استخدموا النمذجة الحاسوبية لتلائم هذه التواريخ والمواقع مع النشاط الزلزالي المحتمل، مع مراعاة ما دونته المصادر التاريخية حول الزلازل في المنطقة.
وقد أدى ارتفاع الأرض حول الشواطئ حوالي 9 أمتار -حسب الباحثين- إلى إلقاء كميات هائلة من الكائنات البحرية خارج مياه البحر، وهو ما يدل عليه انتشار الأصداف والهياكل العظمية اليوم في مناطق مختلفة من الجزيرة.
وتمكنوا -من خلال دراسة الشواطئ الأحفورية المكشوفة التي تشكلت تحت تأثير الرفع الزلزالي وتطبيق تقنيات التأريخ بالكربون المشع- من إعادة تشكيل التسلسل الزمني للأحداث الزلزالية التي ولدت المشهد الجغرافي الذي نراه اليوم في جزيرة كريت ومحيطها.
الصدوع المنتشرة في جزيرة كريت وحولها قد تكون بسبب الزلازل العنيفة (جامعة كارلتون)
تفسير جديد
وتشير النتائج إلى أن سلسلة من الزلازل في القرون الأولى من الألفية تسببت على الأرجح في ارتفاع مستوى اليابسة في الجزيرة، قبل الزلزال الأسطوري عام 365 م، الذي اعتقد العلماء في السابق أنه المتسبب فيه.
تدعم أدلة أخرى الفرضية الجديدة، بما في ذلك التخلي الفجائي عن المرفأ القديم في فالاسارنا حوالي عام 66 م، والذي قد يكون نتيجة أحد هذه الزلازل العنيفة، رغم أن فريق البحث يعترف بأن البيانات التي بين أيديهم ليست قاطعة.
كتب مؤلفو الدراسة في ورقتهم البحثية أن النتائج التي توصلوا إليها تدعم التفسير القائل إن الزلازل المدمرة وأمواج تسونامي في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تنشأ من الصدوع العادية، مما يسلط الضوء على الخطر المحتمل من زلازل الصدوع العادية في الصفيحة العلوية، والتي يمكن أن تنجم عنها موجات تسونامي.واستنتج الباحثون أن الصدوع الطبيعية في المنطقة قد تكون أكثر تدميرا مما كان يُعتقد سابقا، وأن الخطر من منطقة الاندساس الهيليني قد يكون أقل من المتوقع سابقا؛ لذلك فهم يرون أن زلزال 365 م قد يكون ناتجا عن صدوع طبيعية وليس عن اندساس الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوراسية كما كان يعتقد كثيرون.
مما يعني أن تنبؤات الزلازل الحديثة والنمذجة الحاسوبية لهذه الأحداث قد تحتاج إلى تعديل. إلا أن الفرضية الجديدة في حاجة إلى مزيد من البحث لفهم المخاطر التكتونية والزلزالية في منطقة الاندساس الهيلينية بشكل كاف، كما كتب الباحثون وفق المصدر نفسه.