روايات الداغستانية أليزا جانيفا تحقق شهرة بانتقادها الجريء لأحوال روسيا
ترسم جانيفا في هذه الرواية صورة كئيبة لروسيا، حيث يموت الناس في ظروف غامضة، ويمكن شراء ذمة الجميع، بداية من مديري المدارس إلى مسؤولي الكنائس.
روايات الأديبة الداغستانية أليزا جانيفا تقدم نقدا للمجتمع الروسي وترجمت للعديد من اللغات العالمية
سواء كان الأمر يتعلق بالفساد أو المحسوبية أو القمع السياسي، لا تفتقر روسيا إلى المشكلات الاجتماعية التي بنيت عليها روائية داغستانية-روسية شابة حبكات رواياتها التي أكسبتها شهرة كخبيرة في تتبع هذه المشكلات التي يعاني منها المجتمع الروسي.
وخلال العقد الماضي، ذاعت في روسيا شهرة الروايات والقصص القصيرة التي أبدعتها أليزا جانيفا، وهي روايات تتسم بالحساسية والملاحظات القوية والمباشرة للعلل المجتمعية.
وبدأت جانيفا الكتابة عن قضايا تتعلق بوطنها جمهورية داغستان بالاتحاد الروسي الكائنة شمالي القوقاز، غير أن روايتها "الأحاسيس المجروحة" تعد المرة الأولى التي تطرح فيها صورة مكبرة، تصف الأوضاع المألوفة لدى الناس في مختلف أنحاء روسيا.
رواية نقدية
وتعد هذه الرواية تحليلا اجتماعيا حافلا بالنقد، كتب على شكل رواية بوليسية، حيث تدور أحداثها حول العثور على وزير اقتصاد محلي توفي، وتدور التساؤلات حول إذا كان سبب الوفاة إصابته بأزمة قلبية أو عملية قتل.
وتعرض الوزير قبل وفاته للابتزاز لأنه سهل حصول عشيقته -وهي مقاولة بناء ثرية- على عقود بشكل غير قانوني تحقق لها أرباحا هائلة، ولكن القراء سرعان ما يدركون أن الوزير ليس هو الشخص الوحيد الذي يحتفظ بسر يشوبه الفساد في البلدة المحلية الصغيرة.
ومع تقدم مسار التحقيق في الحادث، تنتشر الاتهامات والبلاغات المجهولة، كالنار في الهشيم.
وترسم جانيفا في هذه الرواية صورة كئيبة لروسيا، حيث يموت الناس في ظروف غامضة، ويمكن شراء ذمة الجميع، بداية من مديري المدارس إلى مسؤولي الكنائس.
وهي تصف الضغوط الحكومية التي يتعرض لها المؤرخون، والصحفيون الذين يتم تصنيفهم على أنهم "يعملون لدى وكيل أجنبي"، وأيضا عمليات التزوير التي تتعرض لها الانتخابات، وكذلك فرض عقوبات في مجال الغذاء.
وتشير رواية "أحاسيس مجروحة" إلى الروايات الروسية الكلاسيكية، كما أنها تمثل صورة محلية موضوعية رفيعة للمجتمع، ومحاسبة لأهل السلطة.
عملت أليزا جانيفا (36 عاما) ناقدة أدبية وكاتبة وروائية (الصحافة الروسية)
وقالت جانيفا لوكالة الأنباء الألمانية إن الأعمال الروائية التي تنتقد الحكومة والمجتمع الروسي، والتي تتناول موضوعاتها الأوضاع الحالية، ليست رائجة بشكل كبير في الوقت الحالي.
وأضافت "يقول البعض إن الحقيقة لم تكتمل بعد، وإنه من الأفضل الكتابة عنها بعد مرور 50 عاما على وقائعها، بينما يرى آخرون أن الموضوعات السياسية تضر العمل الأدبي".
وتابعت جانيفا -التي درست بمعهد ماكسيم جوركي للأدب بموسكو- بالقول إنه رغم ذلك فإن الأدب بشكل خاص يجعل من الممكن أحيانا التوصل إلى "استنتاجات أكثر اكتمالا وعمقا"، مقارنة بالصحافة.
داغستان
وركزت جانيفا التي نشأت في العاصمة الداغستانية محج قلعة في أعمالها الثلاثة الأولى على وطنها ذي الأغلبية المسلمة، فوصفته على أنه منطقة وقعت بين رحى الماضي السوفياتي والقيم الإسلامية التقليدية.وصدر عملها الروائي الأول عام 2010 بعنوان "سلام طيب، يا دالاجات"، وحملت الرواية اسما مستعارا، لكاتب وليس لكاتبة، حيث اعتقدت جانيفا أن لجنة التحكيم ستنظر إلى عملها الأدبي بمزيد من الجدية ما دام مؤلفه رجلا.
ووصفت جانيفا -التي لا تعتبر نفسها متدينة- تأثير صدور الرواية على المجتمع الداغستاني المحافظ بأنه "مثل انفجار قنبلة"، وتعرضت لتهديدات واتهامات بأنها غير وطنية وأنها أهانت وطنها.
غير أن ذلك كله لم يوقفها عن مواصلة الكتابة وانتقاد المشكلات الاجتماعية والعلاقات الأسرية المحافظة والزيجات التي تعقد بترتيب من الآباء.
وتصف جانيفا الطريقة الوحشية التي تتعامل بها وحدات مكافحة الإرهاب الروسية مع سكان داغستان، ورجال الشرطة الذين يضايقون ويعذبون المدنيين، والتحيزات ضد سكان داغستان في روسيا والأنماط التي تشاع عنهم فيها.
وفي روايتها "العروس والعريس، على سبيل المثال، عانت البطلة باتيا فترة طويلة من محاولتها إصلاح مفاهيم أصدقائها في موسكو، الذين يرون أنها امرأة مسلمة متعالية".
وقالت جانيفا إنها تريد تقديم صورة واقعية لوطنها.
وأشارت إلى أن كتابة الروايات تمكنها من التعبير عن انتقاداتها بدرجة أكبر من الحرية، وقالت إن الصحفيين والنشطاء الذين يوجهون النقد في روسيا يتعرضون مرارا وتكرارا للقمع والعداء.
كما تكتب جانيفا أيضا مقالات في الصحف، ولديها برنامجها الخاص في محطة "إيخو موسكفي" الإذاعية التي تحظى بتقدير كبير.وبعيدا عن مجال الأدب، لا يزال بوسع جانيفا أن تصف بوضوح آليات القمع في روسيا، فهي تدين -بحرص ولكن بشدة- "التشريعات الغريبة" التي "ليس لها علاقة بأي نظام قانوني أو حتى بحقوق الإنسان"، وقالت إن السلطات تستطيع أن "تلفق أية تهمة جنائية لأي شخص تريد تهديده".
وهي نفسها جرت محاكمتها وتغريمها العام الماضي، بعد أن احتجت على سجن صحفي انتقد الحكومة.
القوقاز بطلا
وفي حوارات مع مجلة الموسيقى والآداب (غير الربحية) قالت جانيفا إن الشخصية الرئيسية في رواياتها هي منطقة داغستان والقوقاز ككل بكل أصواتها وعرقياتها المتعددة.
وأضافت أصبحت هذه المنطقة جزءًا من روسيا عام 1864 وكانت الطريقة القانونية للكتابة عنها تكون من منظور عسكري أو وجهة نظر خارجية مثل روايات كلاسيكيات الأدب الرومانسي التي كتبها ليرمونتوف وتولستوي وكتاب آخرون خدموا في تلك المنطقة كضباط ونفوا إلى القوقاز وكانوا يعتبرون تلك المنطقة شيئا مخالفا لما شهدوه في روسيا.
وهكذا استمر المنظور الاستعماري تجاه المنطقة ينظر إليها بطريقة رومانسية كمكان غريب لا تنتهي الحروب فيه أبدا، والغريب أن هذا المنظور استمر طوال القرن العشرين وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، خاصة عندما اندلعت الحرب في الشيشان. كما شارك الكتاب الروس المعاصرون الذين خدموا هناك في التسعينيات قصصهم ورواياتهم من منظور تقليدي حول القوقاز.
وتابعت القول إن رواياتها حاولت تقديم القوقاز من الداخل من دون حروب، والتركيز على الحياة اليومية وحفلات الزفاف والناس والقيل والقال، ولكن لأن هذه المنطقة كثيفة جيوسياسيا وتضم خليطا من الأقليات العرقية والعشائر والمجموعات السكانية المسلمة، فإن النقاش يدور في كثير من الأحيان حول الدين والسياسة.