السيطرة الإيرانية على الفاو اعتبرت من الأشد صعوبة على العراقيين طيلة الحرب بين البلدين
تعد الحرب العراقية الإيرانية من أطول الحروب النظامية في العهد الحديث، حيث استمرت 8 سنوات وأدت لمقتل مئات آلاف العسكريين من الجانبين، فضلا عن التكلفة المادية الباهظة التي تكبدها البلدان.
ورغم قساوة هذه الحرب، فإن عملية (الفجر 8) كما أطلق عليها الإيرانيون والتي استولوا فيها على الفاو في 11 فبراير/شباط 1986 كانت من أقسى المعارك وأشدها، حيث استغرق العراق أكثر من عامين بعدها لإعادتها مع سقوط آلاف الجنود العراقيين.
سقوط الفاو
تعرف مدينة الفاو التابعة لمحافظة البصرة على أنها منطقة ساحلية (شبه جزيرة) وتمثل المركز الإداري لقضاء الفاو، تقع في الجنوب الشرقي من محافظة البصرة، وتمثل أقصى نقطة في جنوب العراق وتطل على الخليج العربي وعلى ضفاف شط العرب، وتبعد المدينة عن مركز البصرة 90 كيلومترا.
ويصف رئيس أركان الجيش العراقي السابق الفريق الأول الركن نزار الخزرجي في كتابه (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 مذكرات مقاتل) أرض الفاو بأنها رخوة وسبخة وذات مستوى مياه جوفية عالية، إذ تصبح عند تساقط الأمطار أشبه بالمستنقعات، وتغمر المياه الضحلة أجزاء كبيرة منها، عدا المناطق المحاذية لشطّ العرب حيث تمتد بساتين النخيل على شريط طويل، يتراوح عرضه بين كيلومتر وكيلومترين.
صورة حديثة حصرية للجزيرة نت - وهو نصب تذكاري لمعركة تحرير الفاو موضوعة في الفاو ذاتها، ومكتوب فيها أن من قتل من العراقيين يقارب 53 الف عسكري عرا
نصب تذكاري لقتلى معركة الفاو يشير إلى أن من قتل من العراقيين نحو 53 ألف عسكري (الجزيرة)
تعد سيطرة إيران على الفاو من الأشد صعوبة على العراقيين طيلة الحرب بين البلدين، حيث تعرضت القيادة العسكرية العراقية لخدعة من القوات الإيرانية، بحسب ماجد القيسي مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والإستراتيجية.
ويضيف القيسي -وهو الذي عمل قبل 2003 ضابطا برتبة لواء ركن- أن إيران عمدت إلى التحشّد في منطقتين، الأولى في قاطع القرنة شرق البصرة وهو المخادع، وآخر تجاه الفاو وهو ما كانت الاستخبارات العسكرية العراقية قد أشارت إليه على أنه الهدف الإيراني الحقيقي.
ويرى الخزرجي في كتابه أن الاستيلاء على الفاو والاحتفاظ بها كان يهدف لعزل العراق عن الخليج العربي وتشكيل قاعدة رئيسية لإيران لشن هجماتها شمالا للاستيلاء على مدينة البصرة وعلى حقول نفط المنطقة الجنوبية، فضلا عن عزل العراق وقطع مواصلاته مع الكويت.
اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي
القيسي اعتبر أن الجيش العراقي تعرض لخدعة مكّنت الإيرانيين من السيطرة على الفاو (الجزيرة)
وعن الكيفية التي استولى بها الإيرانيون على الفاو، يعود القيسي ليؤكد في إفادة حصرية للجزيرة نت أنهم استطاعوا صناعة جسر عسكري على الأراضي الإيرانية ثم عمدوا إلى جره بالآليات العسكرية والزوارق باتجاه شط العرب واستخدامه في عبور المشاة والآليات تجاه الفاو، في وقت كانت القوات العراقية المرابطة في المكان آنذاك قليلة وغير قادرة عسكريا على رد الهجوم.
وأشار إلى أن الجسر كان شبه غاطس وغير واضح للقوة الجوية العراقية.
أما قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني العراقي الفريق الركن رعد الحمداني فيشير في كتابه (قبل أن يغادرنا التاريخ) أنه وبعد ترقب عسكري استمر شهرا كاملا وفي تمام الساعة 10 من مساء يوم 9 فبراير/شباط 1986 شن الإيرانيون تعرضا (هجوما) واسعا من منطقة كشك البصري شمالا حتى ميناء الفاو جنوبا، حيث قدرت أعداد القوات المهاجمة بنحو 50 ألف جندي إيراني.
ورغم كل ما حدث فإن القيادة العسكرية العراقية العليا كانت لا تزال تظن أن الهجوم على الفاو كان للخداع فقط، بحسب الحمداني، ما أدى في نهاية المطاف وفي ليلة 12-13 فبراير/شباط إلى سقوط مقر الفرقة 26 للجيش العراقي التي كانت متمركزة في منطقة المملحة بالفاو.
أما الخبير العسكري الضابط في الجيش العراقي السابق مؤيد سالم الجحيشي فيشير من جانبه إلى أن إيران استغلت قناعة العراق بأن القوات الإيرانية كانت ترمي الاندفاع نحو الوسط العراقي، حيث إن العاصمة بغداد كانت تبعد عن الحدود العراقية الإيرانية قرابة 140 كيلومترا، انطلاقا من محور محافظة واسط المسمى عراقيا بـ(بدرة وجصان).
ويضيف أن العراق اعتقد أن الفاو جغرافيا لم تكن تسمح للإيرانيين باستهدافها بسبب الفاصل الطبيعي المتمثل بشط العرب، فضلا عن أن الفاو لم تكن ضمن خط المعارك بين الجانبين طيلة السنوات السابقة لاحتلالها.
وفي شهادته التي أوردها الخزرجي في كتابه يقول "هكذا ضاعت الفاو، وعلى الرغم من أن المخادعة هي مبدأ من مبادئ الحرب، فإن المخادعة التي تعرضت لها قواتنا في الفاو كانت من العيار الثقيل ونُفذت على مستوى دولي، ساهمت معلومات وخرائط الاستخبارات الأميركية المسربة في تحقيقها، لكن كان بالإمكان إجهاض هذه المخادعة الكبرى لو تحرر ذهن هيئتي الاستخبارات والعمليات في الأركان العامة من القناعات المسبقة".
جنود عراقيون يحتفون باستعادة الفاو من الإيرانيين (الفرنسية – أرشيف)
لحظة تاريخية
في غضون ذلك، يشير الحمداني في كتابه إلى أن "الفاو شكّلت معركة المنعطف في الحرب العراقية الإيرانية عند سقوطها بيد إيران وعند تحريرها في عمليات رمضان مبارك في 17 نيسان/أبريل 1988".