أيها المؤمنون.. اتقوا الله -تعالى- وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المؤمنون.. وصفان ذميمان وخُلُقان سيِّئان لا ينبغي لمسلم أن يكون متصفًا بهما، فهما ليسا من وصف المؤمن ولا من خُلقه؛ ألا وهما: الطعن، واللعن.
روى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، وغيرهما، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ".
والطعان -أيها المؤمنون- هو الذي يقع في أعراض الناس غيبةً ونميمةً وسخريةً واستهزاءً.
واللعَّان هو الذي يكثر مِن لعنهم بما يكون فيه الإبعاد من رحمة الله، سواء بلفظ اللعنة صريحًا أو بالألفاظ المؤدية إلى ذلك؛ كالدعاء عليهم بغضب الله، أو دخول النار، أو الخزي في الدنيا والآخرة، ونحو ذلك. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلا بِالنَّارِ". رواه أحمد والترمذي وأبو داود من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-.
أيها المؤمنون.. إنَّ دين الله -عز وجل- مبناه في التعامل مع عباد الله على النصح والرحمة، ومن يُكثر من الطعن في الناس فليس ناصحًا لهم، ومن يُكثر من لعنهم ليس رحيمًا بهم؛ ولهذا، من كان من أهل هذين الوصفين فإنه ليس أهلاً يوم القيامة لأن يكون شفيعًا للناس أو شهيدًا لهم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وذلك لأن الناس لم يسْلَموا في الحياة الدنيا من لعنهم وطعنهم؛ فلا يكونون أهلاً يوم القيامة للشهادة لهم بالخير أو الشفاعة لهم عند الله -تبارك وتعالى-، فهذا مقام عليٌّ عظيم ليس هؤلاء بأهلٍ له.
روى ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في تفسيره عن قتادة -رحمه الله تعالى- أنه قرأ قول الله -عز وجل- في ذِكر دعاء إبراهيم الخليل -عليه السلام-: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم:36]، ثم قال: "اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم -عليه السلام-؛ لا والله! ما كانوا طَعَّانين ولا لعَّانين"، ثم قال: "كان يقال: إنّ من أشرّ عباد الله كلَّ طعَّان لعَّان".
وتأمل مرة ثانية في الآية المتقدمة كيف أنَّ خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام عندما ذكر العصاة لم يقل: اللهم اخزهم أو اللهم العنهم أو نحو ذلك، وإنما قال: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)؛ شفَق عليهم ورحِمهم فدعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهو مقامٌ جدير بالتأمل، والسلوك لهذا المنهج القويم، نهج النبيين -عليهم السلام