مقتطفات من كلمات سماحة الشيخ الأستاذ علي رضا بناهيان في موضوع أسرار الولاية:
المقدمة: التعريف بالبحث
· إن موضوع بحثنا في هذه الرسالة مفهوم "الولاية"، المفهوم الذي طال ما طرق أسماعنا وتحدثنا به في حواراتنا، كما أننا على معرفة إجمالية بأهميته وموقعه في المنظومة الفكرية الإسلامية. ولكن مع هذا ينطوي هذا المفهوم النوراني على كثير من الأبحاث الخفية التي نجد بعضها مهمة وأساسية للغاية.
· بالرغم من الأدوار الواسعة التي تقوم بها "الولاية" في مقام إدارة المجتمع وتطويره وتنميته، قد يتصور الكثير من الناس أن مفهوم الولاية مفهوم ديني ومعنوي وحسب، ولعلهم يؤمنون بها ويخضعون لها تعبدا وبغض النظر عن آثارها وتداعياتها الواسعة في شؤون حياتهم، ولكن لا شكّ في أننا لسنا بغنى عن التزوّد المعرفي تجاه هذا المفهوم؛ إذ أن من جانب، ازدياد معرفتنا تجاه هذا المفهوم النوراني يزيدنا حبا وتعلقا بأولياء الله ومن جانب آخر إنه يحدد تكليفنا تجاه هذا المفهوم.
· من جانب آخر، تضاعفت ضرورة الخوض في موضوع الولاية في ظروفنا الراهنة. إذ لم يبلغ المجتمع البشري إلى هذا المستوى من النضج حتى يواجه مفهوم الولاية بهذه الجدية. أما اليوم فقد تعاضد نضج عقل البشر وتجاربه مع تبلور نظام ولائي قاوم الأنظمة العالمية بمفرده، فأخذ موضوع الولاية مأخذا في اهتمام الناس. وعندما يصبح موضوع جادّا ومهمّا، لابدّ من الإكثار في دراسته.
موانع التطرق إلى هذا الموضوع
· بالرغم من أن موضوع الولاية مهم جدا ومن الضروري طرحه في هذا الزمان، ولكن هناك موانع وعوائق موجودة في المجتمع بحيث تعرقل عملية طرح هذا الموضوع، فنشير تاليا إلى بعضها بإيجاز:
· القضية الأولى التي نواجهها أثناء عملية طرح مفهوم الولاية في المجتمع، هي الشعور بكونه مفهوما تكراريا. في بادئ الأمر يبدو موضوع الولاية موضوعا تكراريا ومملا للغاية وانطباع أكثر الناس عن هذا العنوان هو أنهم يعرفون مسائل كثيرة عنه ولا داعي لصرف المزيد من الوقت للتعرف عليه.
· المشكلة الأخرى التي نواجهها في المجتمع، هي ظاهرة الولائيين الذين أساءوا إلى هذا المفهوم بسوء تصرفاتهم. لعل بعض الناس واجه في حياته الفردية أو الاجتماعية بعض المتظاهرين بالولاء والتمسك بالولاية، ولكنه كان مسيئا جدا في تصرفاته وتعامله ما أدى إلى نفوره من مفهوم الولاية. فعندما نريد أن نتحدث عن الولاية، يقول هذا الإنسان في نفسه: لو كان مفهوم الولاية مفهوما جيّدا، لكان من المفروض أن يترك أثره الإيجابيّ في هواته وحماته، أما عندما لم يقدر هذا المفهوم على تغيير سلوك هؤلاء الناس، فما الداعي من التعرف عليه وصرف الوقت من أجله؟
· ويزعم آخرون أنهم بغنى عن التعمّق في هذا المفهوم وكسب المزيد منه، إذ أنهم آمنوا بها واعتنقوها. وهذه أيضا من العوائق الأخرى التي تقف أمام عملية طرح هذا الموضوع في أوساط المجتمع. في حين أن الولاء والتمسك بالولاية من المفاهيم التي تختلف باختلاف درجاتها ومستواياتها في قلب الإنسان. ليس لأحد أن يدعي بأنه قد بلغ أعلى درجات الولاء، فمهما كانت درجتنا في الولاء والتمسك بالولاية لابد لنا من تعميق معرفتنا بهذا المفهوم بغية اجتياز ما كنا عليه في الولاء ونيل الدرجات الأعلى.
· الولائيون معنيون برفع مستوى معرفتهم بمفهموم الولاية وتعميقها أكثر من غيرهم، وذلك ما يفرضه عليهم ثلاث أدلة على الأقل: الدليل الأول هو أن الله سبحانه لا يتقبل من الإنسان أيّ عمل بلا معرفة. إذن مدى قيمة أعمال المرء مرتبط بمدى معرفته بأعماله. فإذا أراد الولائيون أن تزداد قيمة ولائهم لدى الله سبحانه، لابد لهم من رفع مستوى معرفتهم بمفهوم الولاية.
· الدليل الثاني هو عندما نفتقد المعرفة العالية بهذا المفهوم، لا يترك ولاؤنا أثره المطلوب في نفوسنا. في سبيل إيضاح الفكرة افترضوا إنسانا أصيب بمرض. فإذا كان هذا المريض طبيبا في نفس الوقت، سوف يعلم أي دواء يستعمله في سبيل علاج مرضه، وبما أنه عارف بآثار هذا الدواء وفوائده ويعلم جيدا مفعول الدواء في عملية العلاج، يستأنس باستعمال الدواء ويتلقاه برحابة صدر. أما إذا لم يكن المريض طبيبا، فقد يطبق وصفة الطبيب ويستعمل الدواء نفسه، ولكن باعتباره جاهلا بتفاصيل مفعول الدواء في عملية العلاج، لا تتفاعل نفسه مع استعمال الدواء كتفاعل نفس الطبيب. فإذا أردنا أن نعيش ولاءً وإيمانا ألصق بالفؤاد ليس لنا بدّ سوى أن نطوّر معرفتنا بمفهوم الولاية.
· والدليل الثالث والأخير هو إن لم يتعدّ ولاؤنا وإيماننا بالولاية نطاق السطحية والسذاجة، قد نسيء بتصرفاتنا إلى هذا المفهوم ما يؤدي إلى نفور الآخرين من الولاية، ومن جانب آخر تكون أيدينا فارغة عن المنطق الواضح والدليل المتين في مقام الدفاع عن الولاية والإجابة عن الشبهات والإشكالات ومواجهة المخالفين والمعادين. إذن لا يكفينا حب ولي الله وحسب، فإذا أردنا ننفع الولاية لابدّ لنا أن ندرك هذا المفهوم بعمق ونطّلع على مختلف أبعاده ورموزه.
يتبع إن شاء الله...