تمخضت السَّماء،وتهيأت لنُزول المطر،سنا البرق أشبه بمصابيح مُهترئة معلَّقة في صفحة السَّماء،لا تكاد تُنير حتى تنطفئ مجدداً
في مثلِ هذا اليوم المُمطر،وفي مثل هذه الأُبهة،طرأت ذكراكِ على قلبي،ذكراكِ المتشبّتة بذهني كتشبُّت طفل صغير بدفءِ أمه
وطأ ذكرياتنا ثقيل جداً،ثقيل جداً علي
تاقت رُوحي للقياكِ،حتى أنني بتُّ أشعر أن جزءاً مني سيفر هارباً ومتنصلاً مني إليك،الحنين يتشبَّت بزِحام أفكاري ويُمارس طقوسه المُرهقة في رأسي
أشعر بغربة شخص نُفي من وطنه،أو أنني كشذَّاذ الآفاق،الذين يلجؤون بحثاً عن وطن يأويهم،فلا يلقون سوى الثّبور4
تذكرت بغتةً ذلك الجبل المنيف الذي لم نتورَّع عن تسلّقه،لقد كان ذلكَ الجبل رفيقنا وصديق أحزاننا،لطالما أنصتَ إلى نشيجِنا،وهننا،وحتى إستهجاننا نحو كُل ما يحيط بنا
لاشيء يحتضن هُروبنا سوى ذلك الجبل الباسِق الذي كنا نكتُب عليه كل أحزاننا بماءِ عيننا،ودائماً يبدو الجبل لامعاً حين تُشرق عليه الشَّمس
أتعلمين أيضاً،لقد إشتقتُ لضرباتك!ِ
لقد كان ذلك مضحكاً حقاً،أغلب وداعاتِنا كانت تنتهي بلكمة أسدّدها نحو وجهكِ،وأخبرك من خلالها أنني سأستريحُ أخيراً من رؤية هذا الوجه المقيت،فتلقين عليَّ وابلاً من الشتائم ونستمرُّ على هذا المنوال..
عندما كنت معكِ لم أكن أشعُر بحاجة إلى تزويق شعوري أو إلى قول تلك الكلمات المنمَّقة،بل كنتُ أتحدث معكِ بعشوائيَّة وتلقائيَّة وكأني أُلقي أفكاري على نسخةٍ أُخرى مني،وكل التوافه التي تؤرّقني كانت تبدُو في عينيكِ في غاية الأهميَّة
أنا وحيدة بدونكِ،وحيدة جداً،لا يمكنني إيقاف هذه الجذوة المضطرمة بداخلي،
لقد عيلَ صبري نحو كل ما يفرّقني عنكِ،اللَّعنة على العُفر والمسافات التي تحيلُ بيني وبينكِ،هذا الشَّوق كللني،ضمخ جسدِي،وحرثَ نفسي..
هذا الخُواء الذي يلمُّ بي،لا يمكن أن يمتلِئ إلا بوجودكِ
عدتُ إلى ذلك المكان الذي اعتدت رؤيتكِ فيه،فتذكَّرت مقولة محمد درويش"وإن أعادوا لنا الأماكن،فمن يعيدُ لنا الرّفاق"
فكل مكان يا نديمتِي دونكِ مُلغمٌ
فحين إبتعدنا فتحتُ ميازيب دمعِي،وهربت
وفي الوقت الرَّاهن،تراودني رغبة في أن أتجرّد من كُل شيء،أن أتجرَّد من شوقكِ الذي يضعُني على حافَّة الهاوية،أن أتجرَّد من أفكارِي،من مُعتقداتي،أو حتى من نفسِي!
أن أمضي بخفَّة طير لا يشُوبه سوى الوقار.+