نضجتُ يا أمي أخيراً
لم يعُد يؤلمني رؤية صديق يتغيَّر،أو يدٍ تُفلت يدي في منتصفِ الطريق
لم أعد أنزعِج حين أرى صفاقة من هُم حولي وغضاضتِهم
نضجتُ فلم أعد أهتم بغيابٍ لا كفارة له،أو أعذارٍ واهِية
نضجتُ فلم أعد أعبأ بفظاعة المُحيط،وإصطخاب أمواجِه
نضجتُ بعد كثيرٍ من الصراعات الداخليَّة والمُنازعات الذاتيَّة.1
نضجتُ بعد أن رُبضت أطرافِي على الثَّرى،وسُحقت أوراق عمري المتناثرة
نضجتُ بعد أن تسلَّق العابرون أغصان قلبي الباسقة،واقتلعوا ثمارها وأفانينها وحين وجدوها لا تُلائم أوطارهم انقضَّوا عليها ونقزوا عليها بأقدامِهم حتى انخسفت وانهدَّت.
نضجتُ حين دبق كل عابر قد مر في طريقي شوائبه في رُوحي،وغرسوا إبر الدُّجى في فؤادِي
نضجتُ حين سمحوا لأبوابِ الكمد أن تُفتح وأن تُؤسر ملامحُ فرحتي
ولكنني يا أُمي أثق بأني أعطِي كلَّ شيء،أحنُّ،أثِق،وأصمت كثيراً من الأحيان كي لا أجرح
أعلم أنني أغدقتُ عليهم بكؤوس بمحبَّتي،وكنتُ لهم كظل يُلازمهم في دهاليز بثهم وأثق أنني أؤدي واجِبي نحو كل علاقة في حياتي
لذا لست أسِفة على كل شيء يخرجُ من حياتي وأثق تماماً أنه لن يكون لهُ عودة
والآن،لم أعد أحبّذ كثرة العلاقات في حياتِي،أحبُّ أن تكون حياتي وديعة ساكنة وبعدد كافِي من الأشخاص الرائعين الذين يعدُّون أقرباء لي
أولئك الذين ينزلِق الصدق في وجوههم كزوارقِ نجاة،وتنمُّ سيماء وجوههم برفيفِ النَّقاء.2


م