تائِه بين لغط وأزيز أفكاره،تنهالُ عليه جيوشها بالقذائف،وهو أكتعٌ لا حول له ولا قوة يكتفِي برفع الراية البيضاء وإعلان إستسلامه فترفعُ الأفكار رايةَ النصر وقسماتُها تطفح حبوراً ومكراً.
لقد خارت قواه وتقهقرت قدرتُه على المقاومة،فقرر الخنوع لها دونَ إظهار المزِيد من الإستهجان.
يتحشرج وتتهدَّج أنفاسُه،لقد ضمخَ جسده بقوة،قلبه يئِن ووجيبُ قلبه قد رزح..
إنه يحتضر..خانِع للموت،ومظهرهُ الخارجي يوحي بالثبات..
يقع في هوَّة غامضة،ويستمر بالسُّقوط دون أن يصل إلى القاع..
هذا اللَّيل الطويل العاتِي يغرسّ براثنه في قلبه،حتى المُوسيقى التي كانت تخففُ عنه وطأ وحدته أصبحت كلحنٍ قاسٍ ينهشُ قلبه،لم يعد يُطيق سماعَ أيّ شيء حتى أنفاسه تُزعجه،يشعر وكأن حيف العالم بأجمعه اتفق أن يبُكيه،بكاءً دون دموع..1
يتطلع إلى السَّماء من نافِذة غرفته،ويدرك كم هي بعيدة،يُخفي جسده في ظلام الوحدة بين السَّماء والأرض ويُسافر محلقاً بنظراته،ويبدو وحيداً كهذا القمر العالِق بالسماء ومحشُور بين غيمتين،يتنفَّس بصُعوبة وكأن الهواء قد ضلَّ رئتيه بهذا الظلام الذي يسكن أشياءه،يمد يده عالياً ويُحاول إنقاذ القمَر من فُضول الغيم كطفلٍ صغير سُحبت من يده رضاعته قبل أن يشْبع
فتسقط يده على صدرِه وتسقط معها روحه،ويُخفي الغيم بقايا القمر.
م