الى صديقي العزيز..القديم
ترددتُ كثيراً في ارسال هذه الرسالة،ونخسني الوُجوم والتوجس بمجرد تخيل ردة الفعل التي قد تُبديها،ولكن يجب علي المثول لهذهِ الدودة اللعينة التي اتخذت مضجعها داخل رأسِي..
لذا قررتُ أن أعلن إذعاني،وأرفع الراية البيضاء،سأخرُج من هذه القوقعة الصلبة التي تغلفُني وتدَّعي الصلابة،والتي تحمل بداخلها قلب مُترهل أشلاؤه متناثِرة على الثرى..
أنا لستُ بخير اطلاقاً،فؤادي يلجُّ بالشوقِ اليك،مازالت روحي رابِضة في أخر رواق التقينا به،جفَّت الأزهارُ التي في صدري،وحمَلتها الريح الى أرضٍ جرداء،حيث لقيت حتفها تماماً.
منذ أن ذهبت وجُل ما اشعر به هو الذبول،وبُهتان الشعور..
أنت أول مايطرُق إلى بالي حِين أصحو،وأخر أفكاري حين أنام،وحسناً سأكون كاذبة ان قلت أنني أنام..
فالسهد أصبح كظِل لا يفارقني،أنا لم أكن على استعداد لكُل هذا
لقد عرفت معك معنى السَّعادة،انا التي لم أشعر بها الا معَك،ظننت أن الحياة أخيرا قد ألمَّت بي ولاحظت قسمات رُوحي الكالِحة؛واذا بي أجدها تتشدَّق وتزدري بي..2
رغم كرهي للشاي الا انني أصبحتُ أقدّسه بسبب حبك له،رغم أنه النقيض الآخر لي،والوقت الذي قد مر لم يفعل شيئا سوى حفرك في ذاكرتي فلازلت أرى طيفك في وُجوه كل من حولي،صادقتُ غيابك،حتى أصبحتُ أوقظه في منتصف الليل لأحكي له عن كابوسٍ مرعب راودني،وأقصُّ عليه انهياري المفاجئ عندما لم أستطع ربط حذائِي.
عندما كنت معك كنتُ أشعر بأن الناس يرقُصون من حولي،وأنَّ أصوات العصافير بدأت تعلو بالتغريد،شعرتُ بالألوان تسترجِع زهوها،وأن الأكسجين بدأ أخيراً يسرِي في جسدي،لقد كان حديثُك ينساب في جوفِي كسلسبيلٍ عذب،صافٍ،وشاف
لقد كنت أحملك في ظهرِي كجنديٍ جريح،ولكن مافعلتَه لمكافأتي هو أن تأخُذ الحياة مني،لقد انهلتَ علي واجتثَّيت مني معنى الحُب،ومعنى الغبطةِ والفرح،تُهت فلم أجد خارطتهُما،وانخرطت في معاني الكمدِ والتنكيل..
أنا لستُ بخير..
أنا احترِق
أحترق كعثةٍ في لهب قنديل
لقد أذقتني حُلو الهوى فقتلتني
ليتني أبرأُُ منك كما برأت مني،بائسٌ هذا الشعور،موجعٌ هذا التمنّي
أنت الوحيد الذي تعرَّيت من مخاوفِي،شُكوكي،حذري وتحفُّظي أمامه،أنت الوحيد الذي قلت أنه مُختلف لكنه جاءَ ليُخبرني أن ظنوني حول شخصِه خاطئة،وأني واهِمة
واهِمة فقط؛لأنه والجميع سِيان.
لقد كنتُ ساذجة
حقيقة ترددت بقولها كثيراً لكنني الآن افعل،لم يكُن يستدعِي الأمر كلَّ تلك المحاولات.
ماذا جنيتُ سوى الجِراح التي سأقضي ما تبقَّى من أيامي بمُداواتها؟
أدركتُ أخيراً أنه لن يستطعِم المُر الذي بي،الا من احبَّني،وأن من تركني سيُسعدهم رؤيتي مُهملة،وسيُزعجهم رؤيتي سعيدة،لذا لن أحرِم نفسي من الدلال أبداً،مهما تعددت الخيارات سأختار نفسِي،وسأستخلصُ الأشخاص في مُحيطي بعناية،لن أستتنزف طاقتي وجُهدي في أشخاص وهميين،ومهما تعدَّد الأصدقاء من حولي،سأكتفي بنفسي فقط.
لذا...
ستكُون هذه هي الرسالة الأخِيرة
ولن يكونَ بعدها رسائل
هذه...أخِر غيمة رمادية تُمطر عليك
ولن تعرفَ بعدها المطر.
م