قام بتبسيط معادلات رياضية معقدة وهو في سن الـ17.. قصة تفوق طالب عراقي في أميركا
يهدف حمزة السامرائي بعد حصوله على الدكتوراه إلى إنشاء مركز بحوث لفيزياء الكم في بغداد ليكون الأكبر في المنطقة، وأن يقوم بتدريب شباب عراقيين ليكونوا علماء المستقبل
حمزة يقول إنه تأثر بعلماء العصر العباسي، ويهدف إلى إكمال إرثهم العلمي والحضاري
نجح الشاب العراقي حمزة عماد السامرائي المقيم في أميركا منذ 7 سنوات بتحويل شغفه في علوم الرياضيات والفيزياء إلى إنجاز نادر، تمثل بتأليف كتاب فريد حول طرق حل المسائل الرياضية وتطبيقاتها في الحياة، وذلك قبل بلوغه الـ17 من عمره.
وحصل السامرائي على جائزة التميز الأكاديمي من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تثمينا لجهوده العلمية، إضافة إلى جوائز عديدة أخرى، ويقول إنه تأثر بعلماء العصر العباسي، ويهدف إلى إكمال إرثهم العلمي والحضاري.
شغف مبكر
غادر حمزة العراق إلى الإمارات مع عائلته عام 2007، ثم انتقلوا إلى أميركا لغرض الدراسة والاستقرار مدة أطول، وفي حديثه للجزيرة نت يقول السامرائي إنه اكتشف حبه للرياضيات والفيزياء بعمر مبكر.
وفي المرحلة المتوسطة بدأ يتعمق بهذه العلوم، ودراسة مصادر أكثر صعوبة، حيث ذهب إلى الجامعة القريبة من منزله، وحصل على بطاقة دخول لمكتبة الجامعة، وكان في كل أسبوع يذهب إلى المكتبة ويقرأ كتابا جديدا، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن القراءة والدراسة.
ويضيف قائلا "في بداية وصولي إلى أميركا دخلت مدرسة قديمة لم تكن متقدمة أكاديميا وتفتقر للمصادر، فشعرت أنها لا تعلمني الرياضيات بشكل كاف، فتحولت إلى مدرسة أصعب ومتقدمة أكثر من الناحية الأكاديمية".
اكتشف حمزة حبه للرياضيات والفيزياء بعمر مبكر، وكان يتابع برامج الفضاء وفيزياء الذرة منذ صغره
ويقول "فشلت في امتحان الرياضيات لأول مرة في حياتي، ولم أصدق ذلك، فقررت أن أدرس بمستوى أعلى من المادة، فمثلا في الصف السابع أدرس مادة الصف الثامن، في البداية قمت بذلك خوفا من الفشل مرة ثانية؛ لكن في النهاية اكتشفت أن هذا هو شغفي".
ويشير حمزة إلى أنه اشترك في موقع إلكتروني لاختبار حل المعادلات والمسائل، وبدأ يقضي ساعات على الموقع، واستطاع حل كل المسائل الموجودة فيه، ومنذ تلك الأيام بدأ بالتفكير في تأليف كتاب لنشر علوم الرياضيات في كل العالم.
ويتابع "كان جدي، وهو أستاذ في التاريخ، يروي لي الكثير من القصص عن العلماء المسلمين أيام الأمويين والعباسيين، كانت هذه القصص دائما في ذاكرتي، وحتى عندما قدمت إلى جامعة ستانفورد هذا العام، طلبوا مني الكتابة عن حياتي، وسألوني عن مكان أعتبره بمثابة الأم، فتكلمت عن العراق وبغداد وشارع المتنبي، وكتبت أني أشعر بمسؤولية إتمام علوم الرياضيات من أيام العباسيين وما قبلها، وأريد إكمال المسيرة".
ويسترسل بالقول "لا يوجد شخص محدد تأثرت به؛ لكني تأثرت بالخوارزمي وعمر الخيام والطوسي وعلماء آخرين ساعدوني في تحديد هدفي في الحياة وتكوين أحلامي، وتشكلت عندي علاقة مع هذه العلوم، وكنت أشعر أني فخور جدا بها، وعندما كبرت تحول الفخر إلى مسؤولية".
يحتوي كتاب حمزة السامرائي الأول على 450 صفحة تعالج مسائل التفاضل والتكامل بمستوى متقدم
حساب التفاضل والتكامل
وعن كتابه الأول "استكشاف التفاضل والتكامل" (Advanced Calculus Explored)، الذي يحتوي 450 صفحة تعالج مسائل التفاضل والتكامل بمستوى متقدم، ويتضمن تطبيقات في الكيمياء والفيزياء والطب والفضاء وغيرها، يقول إنه يتكون من جزأين.
الجزء الأول يتضمن طرق حل المسائل الرياضية المتقدمة في التفاضل والتكامل، والجزء الثاني فيه تعليم كيفية تطبيق المسائل الرياضية في الحياة؛ مثلا في الفضاء لنعرف سبب ألوان الشمس، وفي تصميم الأدوية مثلا يدرس كيفية جعل الدواء يذوب في الجسم كاملا، وغير ذلك من المسائل العملية الحياتية.
ويضيف أن كتابه تضمن مسائل تطرح لأول مرة، وفيه أفكار ومسائل جديدة لم يتطرق لها أحد، والأهم من ذلك أنها تساعد الشخص على فهم المادة وتطبيقها في مجالات مختلفة.
ويعزو سبب تأليفه للكتاب إلى معاناته في البداية للحصول على كتب الرياضيات كونها غالية جدا، وكل الكتب التي حاول شراءها كانت مصممة للطالب الجامعي، ولا يمكن فهمها إلا بمساعدة المعلم؛ لذا قام بتأليف كتابه الأول لتبسيط المسائل الرياضية المعقدة.
نجح حمزة في تأليف كتاب فريد حول طرق حل المسائل الرياضية وتطبيقاتها في الحياة
وعن ردود الفعل، يقول إن معظم الناس رحبوا بكتابه، ولمس ذلك من تفاعلهم في الإنترنت وتواصلهم معه، وكان هناك تأثير إيجابي في حياة الأشخاص، الذين قرؤوا الكتاب.
حيث ساعدهم الكتاب على اكتشاف الرياضيات وحبها، وتم بيع أكثر من 5 آلاف نسخة في 50 دولة، ومبيعاته مستمرة بسعر 20 دولارا، وهو قريب من سعر التكلفة بهامش ربح بسيط يساعده في إعداد الكتاب القادم، ويخطط لترجمته إلى العربية ولغات أخرى.
وحول ما يميّز كتابه عن الكتب الأخرى، يوضح بالقول "في الرياضيات والفيزياء توجد كتب لحل المسائل فقط وأخرى تطبيقية، وفي كتابي قمت بوضع طرق حل المسائل وتطبيقاتها في الكتاب نفسه، كما يتميز الكتاب كونه يشرح المسائل بطريقة مبسطة تجعل القارئ يفهمها بسهولة، ويتعلم كيفية تطبيقها في الواقع".ويتابع "ساعدني البروفيسور الروماني أوفديو تردوي في مراجعة كتابي الأول، وحاولت أن أكتبه بطريقة لم يستعملها أحد غيري، وحرصت على أن يكون سعر الكتاب مناسبا؛ لذلك لم أذهب إلى دور النشر".
والد حمزة أعرب عن فرحه لما حققه نجله من نجاح وتفوق وحصوله على العديد من الجوائز
كتب أخرى
أما كتابه الثاني، الذي أصدره عندما كان عمره 17 سنة، فهو في الفلسفة الرياضية، ومراحل تطوها خلال ألفي سنة، وكتبه بأسلوب ممتع للقارئ.
ولديه كتاب ثالث صدر في ديسمبر/كانون الأول 2020 قام بتأليفه بمشاركة 5 مهندسين يعملون بشركات كبرى، وهو كتاب من 200 صفحة يساعد الأشخاص للتفكير بمستقبلهم في التكنولوجيا، وتطوير أنفسهم للحصول على وظائف في "غوغل" (google) و"فيسبوك" (facebook) و"أمازون" (amazon) وغيرها من الشركات الكبيرة.
ويستعد حمزة حاليا لإصدار كتابه الرابع، الذي يتحدث عن الفلسفة العلمية في الفيزياء، خاصة الفلسفة النسبية وفلسفة الجاذبية، فهذه الأشياء التي تبدو في ظاهرها معادلات رياضية فقط؛ لكن في داخلها فلسفة، مثلا هل الفضاء مجرد بساط أم متكون من ذرات؟، ولماذا لا نستطيع العودة بالوقت؟، هذه الأسئلة تكون الإجابة عليها بمساعدة الفلسفة.
ويتابع حمزة أن كتابه القادم يدرس الفلسفات القديمة من زمن أرسطو وسقراط، وتحولها على مدى السنين حتى وصلت ابن الهيثم والعلماء المسلمين، وبعدها وصلت العلماء الأوروبيين الجدد مثل نيوتن وديكارت.
تقى ترى أن كتاب حمزة الأول منجز علمي سيكون قاعدة أساسية يعتمد عليها الكثيرون من أبناء جيله
جوائز ومشاريع ونصائح
ويفيد السامرائي بأنه تسلم العديد من الجوائز، آخرها جائزة المتحف الأميركي للرياضيات في نيويورك بعد مسابقة أقيمت عام 2020، وشاركت بها مئات الدول، وحصل فيها على المرتبة الأولى.
ويتحدث عن طموحات كبيرة يريد تحقيقها في مجال الفيزياء الرياضية، وفيزياء الكم التي تجذب اهتمامه أكثر من غيرها، ويخطط لبحث هذا التخصص في دراسة الدكتوراه، وأن يؤسس شركة حاسوب لبرمجة الجيل الجديد وفق فيزياء الكم، وستكون أكثر سرعة من الحواسيب الحالية، التي تعمل على قوانين الفيزياء العادية.
ويهدف بعد حصوله على الدكتوراه إلى إنشاء مركز بحوث لفيزياء الكم في بغداد ليكون الأكبر في المنطقة، وأن يقوم بتدريب شباب عراقيين ليكونوا علماء المستقبل، إضافة إلى إنشاء موقع إلكتروني لتعليم الرياضيات والعلوم يكون شبيها بموقع "خان أكاديمي" (Khan Academy) لكن باللغة العربية.
وينصح السامرائي الشباب بعدم الخوف من تجربة الأشياء الجديدة، مضيفا بقوله "عندما قررت تأليف الكتاب وقف الجميع ضدي حتى أهلي لم يقتنعوا؛ لكني واصلت طريقي حتى النهاية، وكذلك كانت تعترضني الكثير من المسائل، التي لم يحلها أحد قبلي، وكنت أحاول حتى أنجح في ذلك".
ويقول "أغلب الناس بسبب الخوف من الفشل لا يكملون عملهم، ونصيحتي دائما أن تؤمن بنفسك حتى لو لم يؤمن بك أحد، وأكمل طموحك حتى لو كان غير معقول".
وأما النصيحة الثانية -يقول السامرائي- فهي ضرورة استثمار عالم الإنترنت، فهو شيء عملاق وجميل، استعمله للتعلم عن طريق اليوتيوب أو الدروس المجانية من أرقى جامعات العالم، واستخدم قوة مواقع التواصل الاجتماعي لتطوير نفسك.
عماد السامرائي: حمزة يمتلك منذ صغره بعض المواهب، وكان متميزا ولديه ملامح ذكاء
ملامح ذكاء وإنجاز علمي
وفق عماد السامرائي (والد حمزة)، فإن نجله يمتلك منذ صغره بعض المواهب، وكان متميزا ولديه ملامح ذكاء.
وأشار إلى أنه لاحظ اهتمام حمزة بالرياضيات والفيزياء منذ المرحلة الابتدائية، وبدأ يطور مهارته من خلال قراءة الكتب، وتوسع بدراسة كتب أعلى من مستوى الدراسة التي يدرسها بكثير، وتفوق في هذا المجال.
وأعرب عن فرحه لما حققه حمزة خلال سنوات قليلة، حيث أثبت تفوقه، وحصل على العديد من الجوائز، وأحرز المراكز الأولى في المسابقات العلمية، ويلفت إلى أن تفوق حمزة ليس بسبب عيشه في أميركا رغم وجود الجو العلمي؛ لكنه اعتمد على نفسه بالدرجة الأولى، فالبلد ليس هو العائق أمام تقدم أي شخص.
وأشادت تقى عبد الرحيم، المتخصصة في علوم الرياضيات، في حديثها للجزيرة نت، بالنجاح الذي حققه السامرائي عندما ركز وقته في التخصص الدقيق في الرياضيات والفيزياء، وكان صاحب منجز علمي ولقصة نجاحه أثر جميل على المجتمع.
وتشير عبد الرحيم إلى أن ما تميز في كتابه الأول أنهُ منجز علمي سيكون قاعدة أساسية يعتمد عليها الكثيرون من أبناء جيله ومن يليهم حول العالم تجاه الرياضيات والفيزياء، بالإضافة إلى أن كتابه غير ربحي، وإنما يحاول مشاركته مع الآخرين من أجل تعميم فائدته العلمية.
واختتمت بالقول "أتوقع المستقبل الناجح لحمزة في مجال الرياضيات والفيزياء، ومن الممكن أن نسمع عنه نجاحات أخرى وتفوقا آخر سيكون من الأسس المتينة لمستقبله ومستقبل المجتمع الذي يعيش فيه".