أماكن للفكر والإبداع
في البويرة كما في باقي ولايات الوطن كثير من المقاهي الأنيقة والجميلة ولكن لم يفكر أصحابها أن يحولوها إلى مقاه أدبية ،فيها مكتبات تجذب الأدباء وعشاق الإبداع ،بحيث تصير ملتقى للنقاش الفكري وفرصة لتبادل الأفكار ،بل مكانا لبيع الكتب بالإهداء بحضور الأسرة الإعلامية ،وفي دول العالم المتقدمة اشتهرت مقاه بسبب جلوس أسماء فكرية شامخة مثل مقهى الطاحونة الذي كان يجلس فيه الروائي العالمي صاحب جائزة نوبل في الآداب”غارسيا ماركيز” الذي كتب رائعته “مائة عام من العزلة “ومقهى بروكوب بباريس الذي تأسس سنة 1686استقبل أدباء عظام منهم: فولتير و ديدرو وروسو وفيكتور هيجو .
و أنا أذكر من سنوات خلت كنت ألتقي مع مجموعة من الأصدقاء الكتاب بمقهى الفرسان في هذا المكان كانت تجمعنا نقاشات فكرية مع الأصدقاء الروائيان جيلالي عمراني ومهدي ضربان والشعراء جمعة سعيد وبلطرش رابح والقاص عمر دوفي وفي هذا المقهى التقينا بالأديب والإعلامي المعروف عبد الرزاق بوكبة وبعد غلق المقهى انتقلنا إلى مقهى باريس الذي كان سابقا عبارة عن حانة للسيدة الفرنسية مادلين وهنا التقينا بالروائي والسيناريست المعروف عيسى شريط والشاعر عمر شربي والدكتور الشاعر عز الدين لوصيف والشاعر الأمازيغي مومو حميد .
وفي هذا المقال إطلالة سريعة على المقاهي الأدبية في العالم ،عسى أن يقرأه صاحب مقهى من المقاهي فيهيئ مقهاه للأدباء ،بوضع كتب على الرفوف وسجل للذكريات وهكذا يدخل صاحبه التاريخ من أبوابه الواسعة .
يعرف الكاتب ماهر شرف الدين المقهى فيقول:
“المقهى، هذا المكان للاجتماع والتواصل الشفوي، كان مكاناً للعزلة أيضاً، أي استخدام بعض الكتَّاب له مكاناً للكتابة والتأليف. أن تكتب في مقهى يعني أن تكون وحيداً في مكان مزدحم، ويعني أن عيون الآخرين معطَّلة عندك، ويعني أن تكتب. لذلك أنجز الكثير من الكتَّاب والشعراء كتبهم ودواوينهم في مقاهٍ اعتادوا اللجوء إليها في أوقات التأليف والفراغ”1.
المقاهي الأدبية في الجزائر:
هناك مقهيان ساهما في دعم الحركة الثقافية في الجزائر هما:
مقهى الرمانة :
ارتاده مثقفون ومناضلون، منهم الكاتب محمد ديب الذي أبدع إحدى روائعه القصصية من داخل فضائه سنة 1957، وتحمل نفس الاسم «الرمانة».
مقهى الجاحظية :
في هذا المقهى اجتمع كثير من الكتاب والمثقفين والفنانين على مدى سنوات وكان حافلا بالأنشطة الثقافية تحت إشراف عمي طاهر وطار رحمه الله .
مصر الشقيقة أم الدنيا اشتهرت بكثير من المقاهي منها :
مقهى الفيشاوي
“يًعد من أقدم المقاهي الشعبية في القاهرة، ويعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من مئتي عام، سنة 1797، أسسه الحاج فهمي الفيشاوي في عام 1760 ، الذي يحمل اسمه الأخير والذي أصبح اسمًا ذائع الصيت، ومنذ عقود أصبح المقهى معقلًا للأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين، وكان من أشهر رواده جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وقد زاره الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والأديب نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي، يوسف إدريس.
كذلك زاره الرئيس المصري أنور السادات والرئيس جمال عبدالناصر وأبو الفلسفة الوجودية الفرنسي جان بول سارتر وصديقته سيمون دي بوافور بالإضافة إلى الفنان الكبير عبدالحليم حافظ ومحمد فوزي وليلى مراد ومحمد الكحلاوي وعبدالمطلب والشعراء كامل الشناوي ومحمد ديب والكاتب الكبير عباس محمود العقاد والممثل نجيب الريحاني”2.
لعب هذا المقهى دورا كبيرا في الحياة الثقافية المصرية بحيث نجيب محفوظ كتب معظم أعماله في هذا المقهى، وكذلك إحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس.
مقهى الحرافيش:
ويحتل مقهى الحرافيش مكانة كبيرة لدى المثقفين والمبدعين فهو الذي احتضن نجيب محفوظ واقتبس منه أحد أشهر رواياته بل وضع على مدخله تمثال لنجيب محفوظ ،عاشق الحارات الشعبية البسيطة التي جسد في رواياته روح الإنسان الكادح ،الذي يحلم برغيف خبز ويقع هذا المقهى في بداية شارع الملك فيصل في الجيزة ويتميز بواجهته الخارجية المتميزة بالأشجار ويقدم هذا المقهى وجبة ثقافية متنوعة كل مساء.
مقهى متاتيا:
يرتبط هذا المقهى بشخصية المصلح جمال الدين الأفغاني وفيه ألقى أول خطاب سياسي كما تأسس فيه أول حزب سياسي في التاريخ الحديث .
مقهى ريش:
“من أهم مقاهي المثقفين والأدباء في مصر في منطقة التحرير، ويقع في شارع طلعت حرب في وسط القاهرة، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1908، واشتهر قديمًا بتوافد كبار الكتاب والصحفيين والفنانين إليه بصفة يومية، لتناول فنجان القهوة.
حيث كانت تعقد جلسات نجيب محفوظ الأدبية، حيث كان يقيم ندوة أسبوعية في مقهى ريش بدأت منذ عام 1962، وظلت منتظمة حتى عام 1977، ثم انتقل بعد ذلك لمقهى «عرابي» القريب منه. إلى جانب ندوات محفوظ كانت هناك ندوات العقاد في زمان آخر، وتوفيق الحكيم في زمان ثالث، ويجري تبادل الحديث في السياسة والاقتصاد وقضايا المجتمع المصري على مناضده، لذلك تزين جدران “ريش” بصور هؤلاء المشاهير”
المقاهي الأدبية في سوريا
مع بداية القرن العشرين والتطورات التي طرأت على المجتمع الدمشقي، راحت المقاهي تنتشر على ضفاف فروع نهر بردى المتغلغلة في الأحياء الدمشقية ففي العشرينيات ولغاية الخمسينيات من القرن الماضي كان شارع العابد وشارع بغداد وسط مدينة دمشق يغصان بالمقاهي وأشهرها:
مقهى اللونا بارك
سمي هذا المقهى فيما بعد بـ«الرشيد» وظل هذا المقهى حتى الخمسينيات، وكان مسرحًا صيفيًّا يقدم أيضًا الأفلام السينمائية وكثيرًا ما تحول مسرحه إلى منبر للحفلات الخطابية السياسية والانتخابية.
المقاهي الأدبية في أوروبا:
تميزت المدن الأوربية الكبيرة مثل باريس ولندن وأمستردام وروما منذ عصر النهضة بظهور ما يسمى بالمقاهي الأدبية، وهذه الظاهرة شهدت انتشارًا واسعًا خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين وباتت هذه المقاهي المكان المفضل الذى يرتاده كبار الأدباء والشعراء والمفكرين والفنانين. فالمقهى الباريسي مثلاً ليس مجرد مكان للجلسة واللقاء والحديث، بل إنه أحد أبرز التعبيرات العبقرية في فرنسا، وتعد باريس مدينة المقاهي بلا منازع، منها خرجت تيارات أدبية وفنية وفكرية، واندلعت الانتفاضات والثورات. ولذلك تميزت بين عواصم العالم كعاصمة للثقافة العالمية.
تاريخ زمني لأحداث المقاهي الأدبية في أوروبا:
“عام 1652: تم افتتاح أول مقهى في إنجلترا، وكانت تسمى «بيتي يونيفرسيتيز» و«بيتي» ترجمتها نقود باللغة العربية وهو البنس أو السنت الإنجليزي أما «يونفرسيتى» ترجمتها جامعة، وإذا اجتمعت الكلمتان سويًّا تعطى معنى استعاريًّا «جامعة بمصروفات» أي ليست مجانية.
أما في 1672: شهد هذا العام إنشاء المقهى الفرنسي، وفي عام 1713 كان الملك لويس الرابع عشر يرمز له بشجرة القهوة. وشهد قصره أول إضافات القهوة من السكر.
عام 1683: افتتح أول مقهى في فيينا، والسبب يرجع إلى هزيمة الأتراك في معركة هناك تاركين وراءهم مخزونهم من البن.
عام 1690: احتل الألمان قائمة ناقلي ومزارعي البن، حيث كان يهرب من الموانئ العربية ينقل«سيلون وشرق الهند»، ليتم زراعته.
عام 1721: تم افتتاح أول مقهى في برلين.
عام 1723: عرف الأمريكان أشجار البن وبدأوا في زراعتها، حيث قام ضابط بحري فرنسي اسمه “جابريل دي كليو” بنقل حبوب البن لجزيرة “مارتينيك” وفي عام 1777 زرع حوالي 1920 مليون شجرة بن على هذه الجزيرة.
عام 1727: بدأت صناعة البن البرازيلي من تهريب بذوره من باريس.
عام 1750: تم انتشار فروع للمقاهي من بلد إلى بلد ومنها مقهى “جريكو”، وهي من أوائل المقاهي التي أنشئت في أوروبا، والذي فتح فرع لها في روما. وفي عام 1763 أصبحت فينسيا تمتلك ما يزيد علي 2000 مقهى”4.
ففي الختام من يكون السباق في الجزائر من أصحاب المقاهي ليحول مقهاه إلى مقهى أدبي ،ملاحظة بسيطة مع عبارة ” ممنوع التدخين “.