“يديدة” و “تتقرْطَعْ”.. متلازمة “فكّة العيد” تتحكّم في علي الملا منذ 30 سنة
صفوى:
المهم أنها “يديدة” و “تِتْقَرطَعْ”.. ومعنى ذلك ـ في لهجة صفوى ـ أنها نقود جديدة كلياً إلى حدّ أنها تُصدر صوتاً.. إنها العيديات التي ينتظرها الصغار في كل عيد، ولا بدّ أن يوفّرها الكبار لهم.
وهذه المهمة؛ يستمتع بها علي الملا، الموظف في تحلية المياه..
فما هي القصة..؟
فلان يحتاج إلى “فكة” 1000 ريال فئة 50 ريالاً، و1000 مثلها فئة 10 ريالات، و500 فئة 5، و300 فئة ريال..وفلان يحتاج إلى 3000 من فئات مختلفة، وغيرهما يحتاج إلى 2000.. وهكذا..! وكلّ ذلك يتمّ ترتيبه وتصنيفه وتجهيزه لصاحبه.. أو صاحبته، كخدمة شخصية.
في كل عيد يحتاج الآباء والأمّهات إلى فئات نقدية صغيرة يقدّمونها “عيديات” لأطفالهم وأطفال أقاربهم.. ومن أجل الحصول عليها؛ يذهبون إلى البنوك، وبعضهم يبحث عن “واسطة” في بنوك، وبعضهم يذهبون بأنفسهم إلى فرع البنك المركزي السعودي لـ “فكّ الأنواط” إلى فئات أصغر.. من أجل العيد..!
لكنّ علي الملا، لديه هواية قديمة يستمتع بها، هي توفير “الفكّة” لنفسه وأخواته وأصهاره وأقاربه، في كل عيد. منذ كان شابّاً عزِباً قبل أكثر من 30 سنة، إلى أن أصبح جدّاً؛ وهو يحرص سنوياً على ما يكاد يكون طقساً شخصياً خاصّاً به.
يذهب إلى فرع البنك المركزي السعودي بعشرات الألوف من فئة الـ 500 ريال، ويعود إلى منزله بالمبلغ نفسه، ولكن من فئات كثيرة، من ريال واحد، إلى 100 ريال.
إنها هواية
بدأ علي الملا هوايته بـ 200 ريال قبل 30 سنة، وما زال محافظاً على هذه الهواية، بل باتت تشكل طقساً سنويا، تبدأ فعالياته مع بداية شهر شعبان من كل عام.
يقول الملا “بدأت عام 1410هـ، كنت، حينها، موظفاً تحت التدريب، وكانت مكافأتي بسيطة بمقاييس اليوم، إنما كانت تشكل مبلغاً كبيراً لي، عندها وقبل يوم العيد ذهبت لمؤسسة النقد بالدمام (البنك المركزي السعودي حالياً)، وطلبت مبلغاً متواضعاً، 100 ريال فئة 1 ريال، و100 أخرى فئة 5 ريال، هذا هو كامل المبلغ”
ويكمل الملا “كنت سعيداً لأنها المرة الأولى التي أوزع فيها عيديات، وزادت سعادتي عندما فرقت النقود في يوم العيد، وأنا أرى الفرحة على وجوه الصغار والعبارة المرافقة لها: عيد الملا (يديد، يتقرطع)، وسنة بعد أخرى يزداد المبلغ، ففي البداية كنت أصرف لي فقط، ثم أصبح بعض المقربين جداً مني يوصونني بأن أجلب لهم نقوداً جديدة للعيد”، يضيف “اليوم يصل متوسط ما أبدله من نقود للعيد إلى 60 ألف ريال، تتوزع بين أخوتي وأخوة زوجتي وأصهاري، وأنسبائي (عدلائي)، وأصدقائي، وبعض عائلتي، وأصدقاءهم”.
المتلازمة السنوية
ما إن يقترب شهر رمضان الكريم حتى يبدأ الملا رحلاته المكوكية إلى البنوك وإلى مؤسسة النقد السعودي “مع بداية شهر شعبان، وأحياناً قبل ذلك، أبدأ بتجميع النقود من البنوك وأحرص أن تكون جديدة وغير مستعملة ما أمكنني ذلك، كما أني أذهب إلى مؤسسة النقد لصرف المال، ولأنهم يعطوني مقداراً محدداً منه؛ اضطر لتكرار زيارتهم، من أجل الحصول على المزيد من الصرف”.
حيل للصرف
يضيف الملا “قد يحاصرني الوقت كما حصل قبل 5 سنين؛ إذ لم أتمكن من تجميع المبلغ المستهدف من فئة 5 ريالات واقترب العيد، ومؤسسة النقد وضعت حد الصرف 500 ريال فقط للشخص، فخطر ببالي فكرتين؛ إحداهما وقد نفذتها في لحظتها، فبعد أن أخذت حصتي خرجت من المؤسسة ونزعت الشماغ من على رأسي ودخلت مرة أخرى، ونجحت في الحصول على مبلغ مضاعف، أما الفكرة الثانية فقد احتجت لتنفيذها إلى أن أذهب في اليوم التالي مع اثنين من أبنائي إلى مؤسسة النقد، وهكذا كان واختصرت 3 زيارات في مرة واحدة”.
فئة الريال
ويكمل الملا “بعد أن أوقف طباعة الريال الورقي، أصبح الريال عزيزاً في السوق، والطلب عليه كبيراً لسهولة حمله وخفته مقارنة بالريال المعدني، الذي يشكل حمل 100 ريال منه عبئاً على صاحبه؛ لذا يتنازل الكثير من الأهل والأصدقاء عن شرط (الجديد) عند طلبه، وهذا ما صرت أحرص على جمعه قبل رمضان بوقت كاف، ليتوفر في أيام العيد”.
مشقة ممتعة
لم تكن زوجة علي الملا راضية، أو حتى مقتنعة بكل المجهود الذي يبذله زوجها، لذا حاولت مراراً ثنيه عما يفعل، لكنه ظل متمسكاً بمتعته الخاصة والذي يعتبرها كبيرة جداً، يقول الملا “ربما لا يرى الآخرون فيما أفعل أنه شيئ ذا قيمة، وهذا غير مهم بالنسبة لي، وكم حاولت زوجتي أن تقنعني بالتوقف، وأن لامردود منه غير تعب المشاوير وفرز النقود، ولكنها بعد سنوات، وصلت لقناعة أن لكل شخص أشياءه الصغيرة التي يحبها ويستمتع بها، بغض النظر عن رأي الآخرين، وعدلت عن رأيها الأول إلى أن أصبحت تساعدني في فرز الفئات وعدهم لطالبي الصرف”