إشعاع غاما
إن الجسيمات التي تكوّن إشعاعات غاما ماهي إلا الفوتونات[ر] التي ليس لها شحنة أو كتلة، فهي لذلك لا تنحرف في الحقول الكهربائية أو المغنطيسية، وهي من طبيعة الأشعة السينية لكنها تصدر عن النواة في حين تصدر الأشعة السينية عن البنية الخارجية من نواة الذرة، كما أن لها أطوالاً موجية أقصر وطاقات أكبر من مثيلاتها في الأشعة السينية. وتُراوح أطوالها الموجية بين 5 × 10-3 و 5 × 10-1 أنغستروم (أنغستروم = 10-10 متر).
تصدر أشعة غاما عن نوى الذرات المشعة في عملية التفكك dissociation مصاحبة أشعة ألفا أو أشعة بيتا في أغلب الأحيان. فعندما تتحول ذرةٌ مصدرةً جسيم ألفا أو جسيم بيتا، فقد تبقى النواة الناتجة في حالةٍ مثارةٍ تؤدي بها إلى إصدار أشعة غاما لدى عودتها إلى حالات مثارة أدنى أو إلى الحالة الدنيا.
إن طاقة الإشعاع الكهرمغنطيسي تساوي الجداء h × تو، حيث تو: تواتر (تردد) الإشعاع وh: ثابت بلانك Planck، وقيمته 625،6 × 10-34 جول. ثانية وتُراوح طاقة الفوتونات في الحالة العامة بين بضعة آلاف إلكترون فولط وبضع مئات الملايين إلكترون فولط. ولا تظهر حجرة ولْسُن آثار أشعة غاما فيها لأنها معدومة الشحنة.
وتعد أشعة غاما أكثر الإشعاعات التي تصدرها المواد المشعة نفوذاً، فهي تنتقل بسرعة الضوء، لذلك كانت مساراتها مستقيمة وطويلة جداً. فيمكن لأشعة غاما أن تجتاز مئات الأمتار في الماء وعدة سنتمترات في الرصاص، وتنخفض شدة أكثرها نفوذاً إلى النصف لدى اختراقها صفيحة من الرصاص ثخنها 1.4سم.
ويمكن التفريق بين إشعاعات ألفا وبيتا وغاما من حيث مقدرة كل منها على النفوذ. فورقة كتابة عادية تكفي لامتصاص إشعاع ألفا، وتكفي وريقة من الألمنيوم لامتصاص إشعاع بيتا، أما أشعة غاما فلا تُمتص امتصاصاً كاملاً بأي منهما.
الخواص المشتركة للإشعاعات النووية الناشطة الثلاثة
تؤلق الإشعاعات بعض الأجسام: فبعض السوائل النقية تتألق عندما تخترقها أشعة غاما. ويكون لون التألق [ر] luminescence مائلاً إلى الزرقة ويمتد بعض المسافة في سوائل. ويختلف هذا التألق أساساً عن التفلور fluorescence الذي ينشأ عن تبادل الطاقة بين ذرات المادة.
وقد بين العالم الفيزيائي الروسي تشيرنكوف Tcherenkov أن هذا التألق لا تولده أشعة غاما مباشرة بل تولده الإلكترونات التي تتحرك بسرعة أكبر من السرعة الطورية phase velocity لانتشار الضوء في ذلك السائل. وتعرف هذه الظاهرة بأثر تشيرنكوف[ر]. وهي تحدث عندما يتحرك جسيم مشحون بسرعة تزيد على السرعة الطورية لانتشار الضوء في العازل. وهي تشبه ظاهرة أمواج الصدم الصوتية ولكنها هنا تولِّد تألقاً في السائل.
ويمكن مشاهدة هذه الظاهرة بوضع طبقة رقيقة من أحد أملاح الراديوم على كبريت الزنك فُيرى باستعمال مكبِّرة مناسبة تألقات يسببها اصطدام جسيمات ألفا بكبريت الزنك. وكانت هذه الطريقة البدائية هي الطريقة التي انطلق منها الباحثون لإجراء تجاربهم في النشاط الإشعاعي.
الإشعاعات تؤيِّن الذرات وتثيرها وتفكِّكها: ففي حالة التأين بإشعاعات ألفا وبيتا يعود الأمر أساساً إلى تأين مباشر يعقبه تأين ثانوي مهم جداً، لأن 40 في المئة من حوادث التأين بإشعاعات ألفا هي من التأين المباشر. ويتطلب إنتاج زوجين من الأيونات في الهواء طاقة تقدر بنحو 32.5 (إ. ف). ويكون التأين بإشعاعات ألفا أشد في نهاية المسارات لأنها تصبح أبطأ، لذلك فإن كثافة مسارات جسيمات ألفا تزداد عند نهايتها.
وينتج إلكترون طاقته تساوي 3 ملايين (م.إ.ف) نحو 25 زوجاً من الأيونات في السنتمتر الواحد في الهواء، في حين أن جسيم ألفا ذا الطاقة ذاتها ينتج 35000 زوج من الأيونات في السنتمتر الواحد من الهواء.
ويمكن لإشعاعات بيتا أن تولد تأيناً ثانوياً مهماً قد يصل إلى نحو 70 في المئة من مجموع التأينات، ويؤدي تباطؤ الجسيمات إلى إصدار إشعاع كهرمغنطيسي يدعى إشعاع الكبح brake radiation أو bremsstrahlung الذي ينبغي أخذه بالحسبان. وأخيراً، وفي حالة أشعة غاما فإن مايحدث هو التأين غير المباشر فقط.
ويمكن للفوتونات الساقطة على المادة أن تؤثر وفق ثلاث آليات مختلفة إذ يتعلق احتمال حدوث كل آلية منها بطاقة الفوتونات وبالعدد الذري Z للمادة التي تجتازها.
أما الآلية الأولى فهي الأثر الكهرضوئي photoelectricity إذ تكون طاقة الفوتونات ضعيفة وقيمة Z مرتفعة. وبموجب هذا الأثر يتخلى الفوتون عن كل طاقته إلى الإلكترون المقذوف من المادة ثم يختفي تماماً.
وأما الآلية الثانية فهي أثر كُمْتون Compton، إذ يكون للفوتونات طاقة متوسطة وتكون Z ذات قيمة منخفضة. وفي هذه الآلية لا يفقد الفوتون المرتد على الإلكترون سوى جزء من طاقته الابتدائية، ويكتسب الإلكترون المقتلَع طاقة حركية بالفرق في الطاقة.
وأما الآلية الثالثة فهي إنتاج الزوجين pair production، وهي عملية يتطلب حدوثها فوتوناً ذا طاقة عالية (لا تقل عن مليون (إ. ف) تقريباً)، كما تكون قيمة Z عالية، ويفنى الفوتون في هذه العملية وتستخدم طاقته لتوليد إلكترونين أو إلكترون سالب وإلكترون موجب (جسيم جديد موجب الشحنة) هو البوزِترون.
وفي هذه الحالات الثلاث، يكون الإلكترون المقذوف مع زوج الأيونين الناتج هو المسؤول عن التأين وليس الفوتون الوارد المعتدل؛ وهذا مايعنيه بالضبط التأين غير المباشر.
تولِّد الإشعاعات آثاراً كيمياوية مختلفة إذ يؤثر الإشعاع النووي الناشط في ألواح التصوير كما تفعل الأشعة السينية. فهو يحلل الماء ويلون باللون البنفسجي أو البني بعض المواد كالزجاج والكوارتز والمينا.
يرافق إصدار الإشعاع النووي الناشط تحرر طاقة: فإذا وضع جسم صلب مشع داخل أنبوب من الرصاص، فإن الأنبوب يمتص الإشعاع ويظهر كامل الطاقة بشكل حرارة. يطلق غرام واحد من الراديوم 135 حريرة في الساعة الواحدة، يعود 120 حريرة منها إلى جسيمات ألفا و9 حريرات إلى جسيمات بيتا و6 حريرات إلى جسيمات غاما.
إن مشكلة تحرير الطاقة هذه هي إحدى الصعوبات التي تعوق مشكلة التخلص من النفايات المشعة المتبقية من عمل المفاعلات النووية.
أخطار الإشعاع النووي الناشط واستخداماته
يؤثر الإشعاع في أنسجة الحيوان والنبات، وتؤلف الإشعاعات ذات الطاقة العالية خطراً على الأنسجة الحية، إذ تستطيع بهذه الطاقة أن تفكك الجزيئات المعقدة للأنسجة الحية وأن تقتل الخلايا وأن تحوّل جزيئات البنى الحيوية إلى أشكال غريبة أو أن تنتج بعض الحروق.
ولا تؤلف أشعة بيتا خطراً على الإنسان، إذ تكفي الملابس والجلد لوقاية الأعضاء الأساسية من أخطارها، وجسيمات ألفا أقل خطراً من أشعة بيتا لأنها أقل منها نفوذاً. أما أشعة غاما فهي أشد خطراً من أشعة ألفا وأشعة بيتا لأنها أشد منهما نفوذاً.
ومن جهة ثانية يمكن استخدام الأشعة النفوذة بطريقة المعالجة «الكورية» نسبة إلى العالم كوري لقتل الخلايا السرطانية من دون إلحاق أي ضرر بالخلايا المجاورة لها [ر. الأشعة (المعالجة بـ ـ)].